قرية المنصور (الجزء الأول)
أحمد بن سليم الحراصي
المنصور هي قرية من قرى ولاية الرستاق وتبعد عن مركز الولاية بحوالي 20 كيلو مترا، وتعتبر محمية ثقافية وتاريخية تحكي عظمة الإنسان العماني وروعة الطبيعة، وهي واحة شاسعة تتميز بموقعها الجغرافي الذي ساعد في ظهورها منذ فترة طويلة، فهي كمثل واحة في وسط صحراء، موقع استراتيجي متميز حيث تتوسط القرية الجبال والرمال والأودية مما يجعلها قرية فريدة من نوعها ومكانا ملائما للاستجمام ورافدا سياحيا مهما للكثير من الزوار، ما جعلها محط أنظار الزوار والسياح قديما وحديثا ولذلك رأيت بأنه لا بًُد من الحديث عن هذه القرية التي شغلت الكثير من الناس وحيَّرت أفئدتهم.
المنصور والتسمية
المنصور اصطلاحا هي النصر والمنتصر وهذا الاسم بحد ذاته يعطي شحنات إيجابية لقاطنيها، ونصر المظلوم أي انتصر له وأعانه فربما سُّميت المنصور بهذا الاسم؛ لأن أهلها كانوا ينتصروا للمظلوم؛ ولأن القبائل العمانية كانت تثق بأهل المنصور وعلى هذا فهي من ناحية قرية تستظل بحصن دفاعي يقع في منتصفها كان يُستخدم لحماية القرية وقاطنيها ومستنجديها من المظلومين وهذه كلها دلالات على تسميتها بهذا الاسم فالمنصور نصرة للمظلومين أو المستنجدين.
موقعها جغرافيا
تحد قرية المنصور من ثلاثة جهات ولايات الباطنة جنوب فمن الشمال تحدها ولاية المصنعة وقرية جماء ومن الجنوب ولاية العوابي ومن الشرق ولاية نخل حيث توجد في هذه الجهة خبة الجعدان وهي مزار سياحي معروف تتميز برمالها الناعمة التي جعلتها أرضا خصبة لهواة تحدي الرمال، وتحدها من الغرب قرية الحزم ونيابة الحوقين.
تقسيمات مناطق المنصور
توجد هناك الكثير من التقسيمات في المنصور؛وذلك لأهمية القرية قديما فأصبحت هذه التقسيمات مهمة لكي لا تختلط الأماكن عليهم ولتحديد الموقع المطلوب دون تكلفة عناء البحث عن شخص ما أو لغرض آخر كهدف تجمع لأفراد، ومن أهم هذه المناطق التي برزت كثيرا: مرابط الخيل،وادي حودل،الرملة، سيح القرحة، جفر صالح، الكهافة،مغدر باروت،الحارة،عرق الرفيصات، خب ورق، وادي المنصور والشريعة.
المنصور والسياحة
توجد في المنصور الكثير من المواقع السياحية التي تجذب إليها الكثير من السواح أهمها حصن المنصور، فلج المنصور، وبعض الأبراج والبيوت الطينية التي تحتويها والكثير من الأودية التي تتميز بجريانها بعد هطول الأمطار ويضمها وادٍّ واحد وهو وادي المنصور، والرمال التي تُعد ملاذا ومتنفسا جميلا لقضاء إجازة عطلات نهاية الأسبوع كما أنها تحتوي على سهولٍ شاسعة تمتد من وادي حودل إلى مرابط الخيل القريبة من جماء تنمو فيها أشجار السمر والغاف الوارفة للظلال وهي قريبة من الشارع المسفلت حديثا حيث يقصدها الكثيرون من الزوار أوقات الإجازة مع عائلاتهم.
حصن المنصور
يعتبر حصن المنصور حقبة تاريخية معاصرة وكذلك له اسم آخر وهو (القصر) وذلك لفخامته، وهو من الحصون التي تشتهر بها ولاية الرستاق، بناه السيد سعيد ابن الإمام أحمد بن سعيد عام 1204 هـ، وقد تم ترميمه من قِبَّل الحكومة الرشيدة ليتناسق مع مسجد حصن المنصور حيث بُني المسجد بنفس نمط الحصن فسُمي المسجد باسم مسجد حصن المنصور، كما توجد به نقوش وزخارف هندسية رائعة، يتكون الحصن من ثلاثة طوابق: طابق أرضي يوجد فيه مخزن لحفظ التمور ومخزن آخر للأسلحة وبعض من الغرف، كما توجد أيضا خارج الحصن بئر مصدرها من فلج المنصور وأيضا يحتوي على آبار أخرى تستخدم لصب الزيت والعسل الساخن لقهر الأعداء ومنعهم من الدخول، وكما يوجد أيضاً تركيبة المبسلي (الفاغور)، أما الطابق الثاني فيحتوي على ست غرف وهذه الغرف منها للحراسة ومنها للطعام ومنها لسجون الأعداء ومكانا للاحتماء، والثالث يحتوي على غرفة واحدة وعلى ما يبدو أنها غرفة لشخص مميز ربما لسيد القرية، كما يحتوي الحصن على برجين أحدهما في الجهة الشرقية وهو عالي الارتفاع به عدة طوابق ويشرف على مدخل الحصن أما البرج الثاني فيقع في الجهة الغربية وهو أوسع من البرج الأول ويتكون من طابقين، كما توجد أبراج أخرى أيضا وهي للحماية وكانت هذه الأبراج هي من تحدد حدود القرية حيث لكل برج مدى وهذا المدى قد يزيد بناء على ارتفاع البرج، وبين كل برج وآخر مسافة قد تصل إلى 400 متر وكلما زادت عدد الأبراج زاد نفوذ القرية؛ فالأبراج هي من تحدد حدود القرية وكل برج مداه يصل إلى ما تصل إليه رؤية العين.
فلج المنصور
يعتبر فلج المنصور من الأفلاج الداوودية الذي يتميز بجريانه الدائم طوال السنة، حيث ينبع الفلج من أم الفلج التي تقع في وادي حودل ويصب في البئر الموجودة داخل حصن المنصور الآنف ذكرها في مسافة تصل إلى 4 كيلو مترا وكل هذه المسافة التي يقطعها الفلج تجري عبر الآبار وصولا إلى الشريعة التي يمكن رؤية الفلج فيها وهو يجري حيث يقصد هذه المنطقة الكثير من السواح لوجود ماء الفلج فيها بوفرة فيتوافدون في هذه المنطقة للاستجمام وقضاء أوقاتا ممتعة، كما يمكن الاستحمام فيها والشرب واستخدامها للطبخ أيضا فالمياه صافية نقية خالية من الشوائب ، كما توجد على طول فلج المنصور الكثير من الفرض، تجاوزت الخمسين فرضة ولكنها اندثرت ولم تبق إلا حوالي سبع فرض معتمدة ومعروفة كما توجد آبار يستخدمها الأهالي للشرب والاستحمام ولمواشيهم من الأغنام والأبل، قيل قديما بأن فلج المنصور كان يسقي مزروعات في منطقة (فليج الغشب) وهي منطقة توجد في الجهة الغربية من الحصن ولا تزال آثار هذا الفلج باقية حيث كانت توجد هناك مزرعة وكانت تُسقى من هذا الفلج، ولا تزال الآثار باقية على شكل أعمدة فلج وتقول الرواية الأخرى بأن هذا الفلج فلجا آخر يسقي مزرعة قديمة في تلك المنطقة لا يرتبط بفلج المنصور ،لكن كلها دلائل تحكي حقبة قديمة لعراقة هذه القرية وأهلها في الاهتمام بالزراعة.
في الجزء القادم سأتحدث بإذن الله عن الزراعة وعن أعمال أهل هذه القرية وعن عاداتهم وتقاليدهم قديما، وغيرها من الأشياء التي تستحق أن تذكر لتخليد وتجديد مجد هذا القرية التليد.
………………………………….
بعض المصادر المهمة التي كان لها الفضل في كتابة هذا المقال.
1.الفاضل صالح بن العبد البوسعيدي.
2.الفاضل سيف بن سليمان الحراصي.
3.الفاضل سعيد بن سليِّم الحراصي.
4.الفلم الترحيبي في حفل ملتقى المنصور اليوم الذي أُقيم في 26/11/2021.