الأمثال الشعبية المغربية: وظائفها وأهدافها
رشيدة قرمود
للأمثال الشعبية مكانة متميزة وحجمٌ معتبرٌ، فهي من أكثر الأشكال التعبيرية المنطوقة تناولًا وتداولًا وتعبيرًا عن تجارب الإنسان؛ إذ تتنوع وتتعدد موضوعاتها حسب تداولها بين أفراد المجتمع، فكل ما له علاقة بحياة الإنسان يمكن أن يُعبَّر عنه بدقة وإحكام بواسطة هذا الموروث الشعبي. وتبرز هذه الأهمية بالأساس من خلال النظر إلى دوره ووظيفته داخل المجتمع.
فمن بين هذه الوظائف التي يؤديها المثل نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
الوظيفة الأخلاقية:
يمارس المثل سلطة أخلاقية على الفرد والمجتمع، ويهدف إلى توجيه سلوكيات الأمة وضبطها عن طريق تشجيعهم على القيم النبيلة والحسنة، ونهيهم عن العادات السيئة والمنبوذة، ففي الأمثال نستشف عمق الحس الشعبي في تتبع الأخلاق والسلوك، ويمكن القول: إنها اشتملت على النظام الأخلاقي الكامل، فهي تنصح بالصبر: (طولة البال تهد الجبال)، وتشجع على الكرم : (الميدة ميدان ؤعيب على اللي يقوم جيعان)، وتلوم التسرع، وتجعله من عمل الشيطان: (اللي زربو ماتو )، و(العجلة ما تصيد الحجلة)، وتنكر الجحود:(ربيتو جرو صار كلب و عضني)، ….، وتحض على الصدق عن طريق ذم الكذب (الكذوب طريقو قصير)، و( قنديل الكذاب ما يضوي)، وتنهر كل من تسول له نفسه بالتهجم على الآخرين ، والنيل منهم: (إلا كان بيتك من زاج متقدفش الناس بالحجر)، وتعلي شأن التسامح والعفو (اللي غلب يعف)، واللي ما يعذر الناس ما هو من الناس.
يعد ترسيخ القيم الأخلاقية في نفوس الأفراد والمجتمع بواسطة الأمثال من أنجح الطرق التي أثبتت فعاليتها في حماية عادات المجتمع وتقاليده من الزوال؛ وذلك من خلال تكريس مثلهم العليا وأخلاقهم، فهي توجه الأفراد، وتعرفهم بالمستحب من السلوك والمكروه منه؛ حتى يتجنبوا الوقوع في الانحراف الأخلاقي، وتكون الأمثال بذلك بمثابة ضمير وصوت الأمة.
الوظيفة الاجتماعية:
لا شك أن لكل مجتمع عادات وتقاليد لابد أن يسير وفقها، وأي خرق لتلك الضوابط يعد خرقًا للأعراف والتقاليد الاجتماعية، والمثل في هذه الحالة هو بمثابة موجه ومصلح لحالة النشاز هاته؛ لأنه – وكما هو متعارف عليه – لا يخلو أي مجتمع من العيوب الاجتماعية، والأمثال في هذه الحالة تؤدي وظيفتها الاجتماعية عبر إبراز أهمية الجانب الاجتماعي في توطيد العلاقات بين الأفراد، وتحديد القواعد التي ينبغي أن تشيع داخل المجتمع، ولا تعنى الأمثال بما هو إيجابي فقط، بل تقوم بالإضافة إلى ذلك بالتصدي لكل ما هو سلبي، ومن شأنه أن يترك آثارًا سلبية على الفرد والمجتمع، فالمثل يدعو إلى التكافل الاجتماعي والتعاون: (يد وحدة متصفق ولكن ترصفق)، ويحث على الكرم؛ لأنه صفة أصيلة في النفس الإنسانية، وينبذ البخل واللؤم: (البخيل أسوأ من المشرف)، ويدعو إلى الكرم: ( الجود من الموجود)، إلى غير ذلك من القيم والعادات السائدة داخل المجتمع سواء الحسنة منها أو السيئة، فالمثل الشعبي يوجه الفرد نحو السلوك الحسن، ويجعله يميز بين الحق والباطل من خلال وضعه لقواعد وضوابط تؤطر الأفراد، وتحميهم من الانحراف الذي قد يرسم صورة سلبية عن المجتمع.
الوظيفة التواصلية:
يقوم المثل الشعبي بدور فعال في عملية التواصل بين أفراد المجتمع وبين مختلف الشعوب على اختلاف ثقافاتهم؛ إذ يُسهم في التعرف على ثقافة المجتمع وطريقة عيشهم وتفكيرهم؛ فهو ينقل مختلف التجارب، ويحفظها من الزوال، ويضمن لها الديمومة والاستمرارية حتى يستفيد منها الجيل الناشئ.
الوظيفة السياسية:
يعبر المثل عن مجموعة من الأحداث والفترات المختلفة سياسيًا، وثقافيًا، واجتماعيًا، وقد استعملت طوال هذه المدة للتعبير عن المواقف والأحداث التي كانت تقع في تلك الحقبة من الزمن، إما بشكل صريح ومباشر، وإما بشكل ضمني وغير جلي؛ ففي دلالاتها الظاهرية كانت تحمل معاني التملق، بينما كانت لها في الواقع مرامٍ داخلية، فالمقصود منها هو المسايرة لقضاء غرض معين، أو لتفويت ظرف معين. (الإيد اللي ما عندك عليها فين بوسها وادعي عليها بالهرس. / إلا حاجتك عند الكلب قولو سيدي).
وقد تأتي الأمثال لتعبر عن ظرفية قاهرة تفرض على الإنسان الانبطاح والانحناء إما جبرًا أو استسلامًا (الله يسيل الشوكة بلا دم)، و( قولو ديما العام زين )، وأحيانًا أخرى قد تعكس حالة الحسم والإقدام إذا ما تبين أن التماطل قد لا يجدي نفعًا (قطع العرق وسيح دمو)، ونلمس ذلك جليًا في فترة حكم السلاطين وأيام الاستعمار والمقاومة؛ إذ لم تخف الأمثال ألم الشعب ومعاناته من بطش المستعمر: (عشنا حتى شفنا الذيب يتسارى وسطنا)، كما حذرت من الدنو منه، والتعامل معه: ( النار والسلطان مالهم أمان).
الوظيفة البلاغية:
يتسم المثل بخاصية بلاغية قوامها البساطة في الألفاظ، والإيجاز في التعبير، والاختصار في التصوير، والدقة في التعبير، وإصابة المعنى. ” فهي تضطلع بوظيفة أدبية بلاغية تقصد إلى عرض صور فنية، تمتع الحس، وترضي النفس؛ لما تشتمل عليه من تشبيه دقيق، أو مفارقة مضحكة، أو فن من القول طريف” . فهو يمثل ذلك المشهد الخاطف الذي يجسد المعنى المراد في أرقى صوره.
كل هذه الخصائص الفنية للمثل أسهمت في تحريك النفوس لقبول المثل واستحسانه من طرف عامة الناس؛ وبناء عليه حفظه تناقله على مر العصور.
استنتـاج:
إن ما يمكن أن نستشفه من خلال الدلالات التي تطرحها الأمثال هو أنها ذات مواقف متعددة وغير ثابتة؛ إذ تحمل أحيانًا شحنات سلبية، وإيجابية أحيانًا أخرى، وهذا أمر طبيعي؛ لأن الحياة بشكل عام تحوي الخير والشر في نفس الآن، فهي خليط من التناقضات والاختلافات، والمثل بطبيعة الحال يعكس هذه الأجوبة المختلفة والمتباينة من الحياة، ويعبر عنها؛ وبناء عليه عُدّ أنسب الوسائل التعليمية التربوية التي تقدم درسًا وعبرة ووعظًا وتحذيرًا..، وبمثابة ذلك المخزون الثقافي والمعرفي الذي يسهم في التنشئة الاجتماعية للشعوب قديمها وحديثها، ويتغلغل في عمق الحياة اليومية، ويسهم في تشكيل أنماط قيم المجتمعات.
وجدير بالذكر أن المثل الشعبي المغربي يتسم ببلاغة لا تقل أهمية عن الأمثال العربية الفصيحة، ففصاحة اللغة لا تلغي بالضرورة بلاغة المنطوق، سواء أكان هذا المنطوق فصيحًا أم شعبيًا.