مملكة الحكيم
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
في جزيرة صغيرة يسكنها قوم غاضبون بطبيعتهم متشائمون، توارثوا الغضب والتشاؤم من آبائهم وأجدادهم، لا يسلّمون على بعضهم البعض ولا يتحدثون، أحاديثهم مقتصرة على تعاملهم مع بعضهم البعض في أمور الحياة فقط، يحكمهم شيخٌ كبير لا يلقى أي احترام أو تقدير، توفي الملك ولم يأت لتشييع جنازته إلا أقرباؤه وحاشيته، تولى الحكم بعده ابنه الوحيد، وبعد أسبوع من توليه مقاليد الحكم في الجزيرة قرر الرحيل عن الجزيرة، ولكن بدون علم أحد سوى بعض المقربين، رحل إلى جزيرة أخرى حيث اشترى قصرا كبيرا ومارس التجارة في تلك البلدة متنكرا باسم مستعار وهو (الحكيم)، كبرتْ تجارته وتوسع في شراء العقارات، حتى شاع صيته واشتهر بالتاجر الحكيم، وحين سمع عنه ملك المملكة قام بطلبه واستقباله وطلب منه أن يعينه بمنصب وزير التجارة والاستثمار، تطورت العلاقة إلى القرابة ليزوّجه ابنته الوحيدة، وافق الحكيم وبعد مضي ستة أشهر على وجوده خارج مملكته، قرر أن يسافر ويعود ليرى الأوضاع في وطنه، وصل الملك والأوضاع كما هي حيث يدير شؤون البلاد في غيابه وزيره المقرب منه فسأله عن الأحوال فأجاب: إن الحال لم يتغير ولم يشعر أحد بغيابه، عاد الملك من حيث أتى ليجد حاكم البلاد الأخرى في وضع صحي حرج وقد أوصى بأن يتولى الحكيم إدارة البلاد شؤونها، بالفعل تمكن من إنعاش الاقتصاد وجلب الاستثمار والملك يصارع المرض الذي يشتد عليه كلما مرت الأيام، قرر أن ينقل شيئا من الاستثمارات إلى مملكته وبالفعل بدأ بنقل بعضا من تجارته وبعض الموظفين؛ لتنتعش مملكته.
قام بتهجير بعض مواطني المملكة التي يدير شؤونها شيئا فشيئا حتى دمجهم مع سكان مملكته، ليختلطوا مع المهجرين، بدأت الحياة تتغير وقام الناس يلقون التحية والسلام على بعضهم البعض، وفتح المجال بالتوظيف في مملكته لمن يرغبون بالعمل برواتب مغرية وبالفعل انخرط عدد كبير منهم، نقلهم بعد ذلك إلى مملكته الثانية التي يدير شؤونها، لينخرطوا مع أقرانهم فيها، توفي الملك العجوز ليتولى الحكم بشكل رسمي وأصبح يحكم المملكتين، بعد ذلك أعلنها بشكل رسمي بتوحيد البلاد ويطلق عليها مملكة اسم الحكيم، فانتعشت البلاد وأصبح الشعبان دولة واحدة، تغيرت الأوضاع والعادات ليتغير سكان مملكته الأولى حيث انتهى الغضب الموروث وتحسنت عاداتهم الاجتماعية.
أخرج بلاده من البؤس والغضب لتعمّ السعادة وينتشر التسامح بين الجميع.
الحكيم هو من يخاطب العقول البشرية ويحسن التعامل معها لا أن يحكم أرضا مهما كانت مساحتها ، فالبشر هم من يعمرون الأوطان وبتغيير العقول تتغير البلدان، فالإنسان هو ثروة الأوطان لا الثروات ولا الممتلكات.
أن تحتل العقول خير من احتلال الأرض بقوة السلاح.
هكذا حكم أجدادنا شرق أفريقيا وبعض البلدان الأخرى بالتجارة والتسامح ونشر الدين الإسلامي، خرجوا من ضيق المعيشة وقلة الموارد في زمن القحط ليصلوا بمراكبهم إلى سواحل غنية بالثروات والثقافات، ليعودوا بالخير الوفير لعمان اليوم التي ترى بأن المواطن ثروة حقيقية ، فليس عيبا أن نستفيد من تجارب غيرنا وأن نطور من عقولنا لنصل بعمان إلى مصاف الدول المتقدمة.
رؤية عمان (2040) تسعى أن ننتقل بعمان إلى دولة متقدمة يعمها الرخاء، وإن كان البعض لا يرى تلك البوادر إلا إننا نقول هناك أمثلة ونماذج يجب أن نقتدي بها فبعض الدول من اللاشيء وصلت للعالمية وتنافس أقوى اقتصادات الدول العظمى، كيف كانت ماليزيا وسنغافورة سابقا ؟
مع إرادة الإنسان لا مستحيل ومع حكمة السلطان سنصل إلى مبتغانا، فلا مجال للتخاذل والإحباط فلنتفاءل خيرا، ومن تفاءل خيرا وجده.
القصة من وحي الخيال لنقول بأنه لا مستحيل، ونعم للتغيير ما دام الإنسان يسعى لتحقيق أهدافه سنحقق أهداف البلاد.