لُبُّ البندقِ
مياء الصوافية
تتدفقُ الكلماتُ مني كقطراتٍ من نهرٍ عذبٍ، وكجداولِ ماءٍ في مُخَيَّلةِ عطشانَ، ولها من صافي العسلِ منبعٌ، ومن ظِلالِ غَيْمٍ في فيفاء قاحلة مُنَى، ومن لُبِّ البندقِ الأبيضِ مغزى وهي تغازلُ ابتسامةَ ثغركَ ونشوةَ صدرِكَ هذا كُنْهُها.
لكن يا لَلأسفِ … ترتدُّ ألوانُها الأصيلةُ ملطّخةٌ بسوءِ فهمكَ وسوادِ نيَّتِكَ وثقتكَ المهزوزةِ بها .
أكلتَ منها القِشْرَ الضَّارِبَ للسواد، ورميتَ اللبَّ الأبيضَ هذا كلامي لا يحمل إلا معناه .
لا تجعلْ كلماتي تحومُ حولَ مواقفَ طائرةٍ عن الحقيقةِ زرعتَها في جيوشِ أفكاركَ تلك التي زينتْها نيَّتُكَ السائرةُ إلى مسالك الخطأ، فأخذتَ معنى كلماتي كسحابةٍ تمطرُ عليكَ بالسوادِ.
اجعلنا لا نعي من الكلمة إلا عطرَها، ولا نفهمُ من صوتِ حروفها إلا المواساةَ .
إنها كلمة ينطقها لساني، فتحملها أجنحة السلام عني، وهي تنطلق من أعشاش أشجار السُّرُوِ الحيّة، تلك الأشجار التي تحرك خطى التجاوب مع ما أحاط بها من عوالم، إنها الكلمة مني التي تزفها الأضواءُ المتراقِصةُ إلى عتبةِ ابتسامتكَ، ولمعةِ عينيكَ، وانتشاءِ قلبكَ.
جَاوِبْ كلماتي بفهمكَ الأصيلِ،ذلك الفهم الذي جذره اللطف، وسقياه العقل المتسامح، ورؤياه الرؤية الناضجة، واعلم حينها بأنّ كلماتِي ستحتضنَ قلبكَ الشاعري وستلامسَ أناقةَ الحسِ منه، وسَيُشْفَى قلبي وقلبُكَ .
لَمّعْ مرآتكَ القلبية، ووارِ عنها غبارَ التراكماتِ السيئةِ؛ لتبرقَ صفاءً خيّرا؛ ولتعكسها مرآتي الأنيقة كما بعثتَها أنتَ بصورتِها البهيةِ.
اجعلْ حديثي وحديثَكَ كحمامتين وَلِيْفَتَيْنِ تتسامرانِ على غصونِ شجرةِ سنديان لامستْ خصوبةُ خضرتِها صفاءَ سمائِها؛ فيأخذُ الحديثُ بيننا من الزرقةِ الصفاءَ ومن الاخضرارِ جمالَ المنظرِ، وسعادةَ القلبِ.
دللْ على احتواءِ كلامي بأنْ تعقبَه بابتسامةِ رضا تدعوني للسير معك في حوارٍ هادفٍ، تتلاقى فيه أفكارُنا كما تتلاقى شلالاتُ الجبالِ في مجاري الأودية.
اجعلها كلمةً كلما تذكرتُها منكَ ابتسمتُ ؛ لأني معها ،تذكرتُ سجاياكَ التي أعلتْ مقامكَ عندي، وجعلتكَ الأثيرَ المميزَ إلى نفسي.
ما الكلامُ إلا ما تخفيه سريرتُكَ فهو يتسربُ منها إلى جوانِح قلبي؛ فتنعشه فرحاً وجَذَالةً كتسربِ الحياةِ إلى حضنِ الأرضِ بعدما سلبتْ الأيامُ العابسةُ نشوتَها فتُزَيِّنُها تجددا وأملا .
فأنتَ إنْ لم تنطلقْ للحوارِ معي من مبدأَ الأخذِ والعطاءِ بهدفِ التقاء فكَرِكَ وفكري في مصبٍّ واحدٍ يُميِّزُه السلام الروحي؛ فأنتَ حينها كجزيرة منفردةٍ بفيالقِها يُخاَفُ أنْ يُقْتَرَبَ منها.
عليكَ أنْ تعلمَ أن الكلام دَالةُ العقل”ربَّ كلمةٍ سلبتْ نعمةً ” ربما الكلمة تنزع منكَ حظا منتظرا ونعيما كنتَ تَرْفُلُ فيه؛ فانتقِ من اللفظ أحسنه ومن المعنى أتمه خلقا مُنَزَّه عن كل ما من شأنه أن يَخدْشَ جرحا في النفس فيطرقَ على بابِ الذكرى طرقاتِ المرارةِ،وخيباتِ الثقة المهزوزةِ، ومقاربة انقطاعِ حبلِ الألفةِ.
*لب البندق :يرمز البندق عند الرومان إلى الحظ والسعادة والرفاهية، وفي فرنسا إلى الخصوبة.