الرعاية النفسية والاجتماعية للموهوبين (6)
د. إنعام بنت محمد المقيمية
تطور مفهوم الموهبة عبر العقود الماضية، إذ كان الاعتماد الأساسي في تحديد الموهبة على اختبارات الذكاء التقليدية المقننة، وعلى اختبارات التحصيل الدراسي وهذا الفهم كان متوافقا مع المفهوم العامل الذي اقترحه سبيرمان سنة (1923)، ثم توالت الأبحاث في مجال الذكاء وتقدمها خلال الخمسينات من القرن الماضي، إذ لم يعد مفهوم الذكاء كقدرة عقلية عامة مقبولا لدى كثير من الباحثين، إلا أن نتائج البحوث متقدمة التي تمت على أصحاب المواهب دلت على عدم صحة الآراء السابقة وأن العلاقة بين الذكاء والموهبة علاقة إيجابية، فالذكاء عامل أساسي في تكوين نمو المواهب، كما أن وراثة الموهبة أمر مشكوك فيه بعد أن ثبت أن الموهبة قد تختفي عند بعض أبناء الموهوبين وهناك مواهب تظهر وتتفتح عند بعض الأفراد نتيجة التربية والتدريب وتوافر الذكاء، ويعد تيرمان (1925) أول من استخدم مصطلح الموهبة ثم تلته الباحثة ليتا هولينغويرث (1931) والتي عرفت الموهوب بأنه الطفل الذي يتعلم بقدرة وسرعة تفوق بقية الأطفال في كافة المجالات، ومع ذلك سأنقل بعض التعاريف التي تقاربت حولها وجهات النظر للموهبة :
العبقرية: يشير إلى الشخص ذو القوى العقلية النادرة جدا كدرجة الذكاء المرتفعة جدا، أو الموهبة العالية، أو التحصيل العالي، أو الإبداع العالي جدا. فالعبقري موهوب ومبدع وذو تحصيل عال في المجال الذي تظهر فيه عبقريته.
الإبداع: الإتيان بالشيء الجديد والنادر المختلف والمفيد للبشرية فكرا، أو عملا.
التفوق التحصيلي: يشير إلى التحصيل العالي والإنجاز المدرسي المرتفع، ويعرف المتفوق تحصيليا بأنه الطالب الذي يرتفع في إنجازه، أو تحصيله الدراسي بمقدار ملحوظ على أقرانه، أي أن التفوق ينطوي على وجود موهبة وليس العكس، فالمتفوق لابد أن يكون موهوباً، وليس كل موهوب متفوق.
الذكاء: يرى وكسلر أن الذكاء هو القدرة الكلية العامة على القيام بفعل مقصود، والتفكير بشكل عقلاني، والتفاعل مع البيئة بكفاية، والذكاء صفه يتميز بها الموهوب.وعلى ضوء ذلك يمكن القول إن مصطلح الموهبة قد مر بأربع مراحل في طريق تطوره: مرحلة ارتباط الموهبة بالعبقرية كقوة خارقة، ومرحلة ارتباط الموهبة بالأداء المتميز في ميدان أو آخر من الميادين التي اهتمت بها الحضارات المختلفة، ومرحلة ارتباط الموهبة بنسبة الذكاء كما تقيسها الاختبارات الفردية (ستانفورد بينية، واختبارات وكسلر)، وأخيرا مرحلة اتساع مفهوم الموهبة ليشمل الأداء العقلي المتميز أو الاستعدادات والقدرة على الأداء المتميز في المجالات العقلية.
وكما نلاحظ اختلف الباحثون في تعريفهم للموهبة اختلافاً واضحاً، ويعود ذلك إلى اختلافهم في الاتجاهات النظرية والخبرات العملية التي ينطلقون منها في تحديد مجالات الموهبة التي يعدونها أكثر أهمية، فبعض الباحثين يركز على الموهبة في القدرات العقلية العامة (الذكاء)، وبعضهم الآخر يركز على القدرات الخاصة، أو التحصيل الأكاديمي، أو الإبداع أو بعض سمات الشخصية، ونتيجة لهذا الاختلاف بين الباحثين والمهتمين في مجال الموهبة والتفوق تعددت التعريفات للموهبة فعرفت:
على أنها عبارة عن ذلك التطور الذي من خلاله تمتزج قدراتهم المعرفية المتقدمة مع قدراتهم العديدة المرتفعة لتخلق تجاربهم الداخلية والوعي الذي يختلف بشكل نوعي عن الناس العاديين. كما عرفت الموهبة: على أنها استعداد طبيعي أو طاقة فكرية كامنة غير عادية في مجال أو أكثر من مجالات الاستعداد الإنساني، والتي يمكن أن تؤهله مستقبلا لتحقيق مستويات أدائية متميزة إذا ما توفرت لديه العوامل الشخصية والدافعية اللازمة، وتهيأت له الظروف البيئية المناسبة ومجالات الاستعدادات، كالاستعداد العقلي، والتفكير الإبداعي، والاستعداد الأكاديمي الخاص، والقيادة الجماعية، والاستعدادات النفسحركية أو الرياضية، والاستعدادات الفنية والموسيقية والدراما.
ومن هنا يواجه المربون الذين تقع عاتقهم مسؤولية إنشاء برامج خاصة بالطلبة الموهوبين القيام بواجبات متعددة، وذلك عندما يطلب الأمر منهم تحديد معنى الموهبة، وكيف يمكن تحديد الطلبة الموهوبين، وما البرامج التي ينبغي أن تقدم لهم؟ ويمكن اقتراح بعض الإجابات عن تلك الأسئلة المطروحة كما في الآتي:
– لا يقتصر مفهوم الموهبة على القدرة الذهنية العالية، فهو إضافة إلى ذلك يشمل الإبداع والقدرة الواضحة في ميادين أكاديمية معينة، والقدرة الفائقة على الأداء الفني والبدني.
– ينبغي أن يقوم برنامج الطلبة الموهوبين على الطريقة التي يقوم النظام المدرسي بتعريف الموهبة إجرائيا بها، فالتعريف لابد أن يمثل الأساس الذي يتم بموجبه صناعة القرارات ذات الصلة بالموهبة، ولاسيما إجراءات تحديد الموهوبين أو اكتشافهم.
– توجد الموهبة في جميع الأجناس والقومية والمجموعات العرقية المختلفة، وليست مقصورة على مجموعة بشرية بعينها.
إن تحديد مفهوم الموهبة يعد أمراً ضرورياً لأنه في مقام التشخيص حتى نتمكن من تحديد واختيار أساليب التدخل المناسبة، وتعريف الموهبة يعد هو الأساس لاكتشاف الموهوبين المتفوقين ورعايتهم واختيار البرامج المناسبة لهم.