دور الوسائل الإعلامية والمؤسسات اللغوية في الحفاظ على اللغة العربية
د. محمد عزيز عبد المقصود
أستاذ لغويات مساعد بكلية اللغة العربية
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية ماليزيا
الإيميل / mohammadaziz1974@yahoo.com
mohamedaziz@unishams.edu.my
إن نشر اللغة العربية والحفاظ عليها لهو واجب من واجباتنا القومية، ويقع على كاهلنا جميعا هذا الأمر، فالمسئولية مسئولية مشتركة سواء بين الأفراد أو وسائل الإعلام أو المؤسسات اللغوية.
وثمة دور كبير للإعلام في بناء قيم الإنسان الإيجابية وتنميتها، والسعي نحو خلق بيئة لغوية تعمل على الرقي بأفراد المجتمع للحفاظ على لغتهم، ومن ثم رقي مجتمعهم، وبناء حضارته.
ولا شكَّ أنَّ الإعلامَ يؤثر تأثيرا كبيرا في مهارات اللُّغةِ العربيَّةِ، وبخاصة مَهارتا التحدثِ والاستماع؛ حيث إن الأقطار العربية وضعت حواجز بين اللغة العربية المكتوبة، ولغة الكلام، وهذا ما تعاني منه أجيالنا المعاصرة؛ حيث يجيد الكثير منهم الكتابة، لكن قلة منهم هي التي تستطيع استخدام اللغة استخداما جيدا في كتابتها، وفي كلامها، ومن أجل ذلك، فإن وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة تلعب دورا بارزا في تكوين المجتمع، وبنائه، وتنميته؛ ولذا فإن وسائل الإعلام يمكن أن تُحدث حِراكًا لُغويًّا منْ خِلالِ ما يَلي:
أولا: أنَّ كلَّ إعلاميٍّ لابد أن يحصلَ – بدايةً- على تصريحٍ لُغويٍّ يُجيز له ممارسةَ نشاطاتِه الإعلاميةِ، سواء أكانتْ مسموعةً أم مرئيةً.
ثانيا: عمل برامج تعليمية للغة العربية تناسب كافة الأعمار، وتحدد لها ساعات معينة؛ حتى يعرفها المشاهدون ممن يريدون تعلُّم اللغة العربية، ومن ثم يحافظون عليها.
ثالثا: إلزام أقسام الإعلانات – خاصة الإعلانات المرئية – بعرض المادة المعلن عنها باللغة العربية الفصحى البسيطة.
رابعا: الدعم الإعلامي للمؤسسات والمعاهد والجامعات التي تعلم اللغة العربية في كافة أقطار العالم، ولها خبرات في هذا المجال، من خلال بيان دورها، ونشر الدعم الفني لها عبر وسائل الإعلام المتنوعة، ومن أمثلة ذلك: مركز اللغة العربية بجامعة القاهرة، ومعهد تعليم اللغة لغير الناطقين بغيرها بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وكلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومعهد الضاد لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بسلطنة عمان، وغير ذلك.
خامسا: دعم المسابقات التي تهتم باللغة العربية، سواء أكانت من أقسام اللغة العربية في الجامعات، أم من أي مؤسسة تعليمية تربوية تعمل على النهوض بمستوى اللغة العربية، وتعليمها؛ وذلك من خلال بثها مباشرة أو تسجيلا.
سادسا: التشديد على الإعلاميين – خاصة بعد انتشار كثير من القنوات الفضائية- بالالتزام باللغة العربية الفصحى، وعدم استخدام اللهجات العامية المحلية أساسا في الأحاديث الإعلامية في سبيل نشر الوعي ، والثقافة داخل المجتمعات.
وبإمكان المؤسسات المعنية باللغة العربية في المجتمع من مجامع ومراكز وهيئات مختصة أن تلعب دورا حيويا في الخطاب الإعلامي للمحافظة على اللغة العربية من خلال ما يلي:
أولا: عمل برامج ثقافية تعالج فيها آليات التحدث باللغة العربية، وتعليمها، ويشرف على هذه البرامج متخصصون في كيفية تعليم مهارات اللغة العربية وتعميقها.
ثانيا: فتح باب الحوار خاصة مع الشباب العربي في كافة الأقطار والأمصار العربية، والاستماع إلى همومهم، ومشكلاتهم التي يعانون منها مع اللغة العربية، ولابد من حسن الإنصات لهؤلاء الشباب، ومشاركتهم، والاستماع إلى رأيهم؛ لأنهم أمل الأمة التي ننشدها، وهم فجر الغد الذي سيشرق – إن شاء الله – على أرجاء العالم كله حاملا لواء هذه اللغة الحبيبة.
ثالثا: إن العقلية العربية لهي عقلية فذة كلها عزيمة، وإصرار نحو تحقيق الذات، وإبراز القدرات، والسعي الدءوب إلى بذل كل ما في وسعها؛ لذلك لابد من احترامها، وإعطائها حقها، ولا نستخف بها، وأمام المؤسسات المعنية باللغة العربية في المجتمع فرص كثيرة لنشر الوعي اللغوي غير ما سبق من خلال التركيز على مرحلة الطفولة والأمومة خاصة إذا نظرنا إلى برامجنا التي تخاطب الطفولة، والأمومة أحسسنا بعجز شديد، بل وبحرج مؤلم؛ حيث إن أغلب المواد التي تقدم في هذه البرامج منها ما هو مفيد جدا، ومنها ما يميت العقول، ويقتل الإبداعات، وهذه حقيقة نعاني منها، ولابد من أن نعيها جيدا، وعلى متخصصي اللغة العربية في مؤسساتهم أن يدركوا هذا الأمر إدراكا تاما من كل جوانبه، فيعملوا على تغذيته بما يناسبه، وينميه؛ وذلك من خلال تقديم مادة إعلامية تناسبهم في برامج هادفة ذات ألفاظ بسيطة، وسهلة، ومعانيها لها قيمتها الحياتية والتربوية.
رابعا: لابد أن تتصدى المؤسسات المعنية باللغة العربية في المجتمع لتلك الهجمات الشرسة التي يُعلنها أعداء العربية على العربية في وسائل الإعلام؛ وذلك من خلال الذود عنها، وبيان أهميتها، مع توضيح أن معنى تغريب اللغة العربية في بلاد العرب سبيل إلى القضاء على الهوية العربية، والانفتاح على الحضارات الأخرى آخذين منها ما يتناسب معنا وما لا يتناسب، ونحن في ذلك نرنو إلى لغتنا الجميلة وعيوننا كلها أسى وحسرة.
خامسا: لابد من قيام دعوة إعلامية تتضافر فيها جهود الخبراء والإعلاميين والمتخصصين الذين لهم باع طويل في اللغة العربية، ولديهم خبرات واقعية، وممارسات إعلامية؛ لأن الحفاظ على العربية هو حفاظ على الكيان العربي.
سادسا: إن الحفاظ على اللغة العربية يحتاج إلى القدرة على اتخاذ قرار جريء من قبل المؤسسات المعنية باللغة العربية في المجتمع، فالطريق واضح ومعلوم، والمؤسسات على يقين من الإشكاليات والحلول لكن قرارها عليل.