المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي (( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
أحمد بن علي المقبالي
الجزء التاسع والعشرون: –
كان عن الهجمات العمانية على البرتغاليين عند مدخل البحر الأحمر.
الجزء الثلاثون: –
مقالنا اليوم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن المواجهة العثمانية البرتغالية في شرق أفريقيا ومحاولات المدن الأفريقية الثورة بوجه الاحتلال البرتغالي.
– كانت أفريقيا لفترات زمنية طويلة جداً موطن للهجرات العربية بشكل عام والعمانية بشكل خاصّ، فأقاموا المدن المزدهرة على طول الساحل الأفريقي وتوغلوا إلى أقاصي الداخل الأفريقي.
وما شجعهم على تجشم هذه المخاطر هو ما تتمتع به القارة الأفريقية من مقومات اقتصادية كبيرة وكذلك الطبيعة الخلابة بعيداً عن جفاف وحرارة وفقر الجزيرة العربية.
– تعايش العرب مع القبائل الأفريقية بسلام واحترام متبادل حتى جاء البرتغاليون في رحلتهم الاستكشافية الأولى بقيادة فاسكودي جاما عام ١٤٩٧م فكان الهدف المعلن هو توسيع التجارة البرتغالية ولكن الحقيقة غير ذلك تماماً كما رأينا في المقالات السابقة.
– بعد الاحتلال البرتغالي للمدن العربية في أفريقيا بشكل خاص وذلك لِما تتمتع به من ثروات اقتصادية حاولت بعض المدن الأفريقية الثورة على الإحتلال كما حدث في الوطن الأم عمان ولكن للأسف تم القضاء عليها كلها وارتكبت مجازر بشعة في حق سكانها الثائرون مثل: –
١- موزمبيق
٢- ممباسا
٣- زنجبار
وغيرها من المدن وتم فرض ضرائب باهظة على المدن المحتلة ومضاعفتها على المدن الثائرة.
👈 التدخل العثماني ومحاولات الدولة الإسلامية الكبرى تحرير أفريقيا من البرتغاليين:
– عام ١٥٨٥م أرسل العثمانيون سفينتين حربيتين إلى أفريقيا بقيادة مير على بك ولكن القائد العثماني واصل رحلته بسفينة واحدة فقط بعد أن وجد إحدى السفينتين غير صالحة للإبحار، انطلقت الحملة العثمانية من ساحل الحجاز إلى مقديشو وعندما التقى القائد العثماني بأهالي وأعيان مقديشو (( أخبرهم بأن رحلته استكشافية فقط وأن أسطولاً ضخماً قادم خلفه لينفذ هذه المهمة الكبرى )) ويعتبر هذا التصريح ذكاءً من القائد مير علي بك لبثّ الأمل في نفوس السكان.
– واصل العثمانيون مسيرهم إلى شرق أفريقيا وفي الطريق تمكنوا من الاستيلاء على سفينة برتغالية كانت تحمل بضائع نفيسة بقيادة روك دي بريتو وألقي القبض على طاقمها في مدينة لامو بعد أن فروا إليها وتركوا سفينتهم وتم إرسالهم إلى إسطنبول.
– في الطريق إلى باتا استولى القائد العثماني على سفينة تجارية برتغالية أخرى وقد استقبل في مينائها بحماسة بالغة وقد غيّرت الكثير من المدن مثل مقديشو ولامو وبات وغيرها ولاءها من الملك المسيحي فليب الثاني إلى السلطان المسلم مراد الثالث ومن هذه المدن ممباسا التي طلب شيخها من القائد العثماني بناء قلعة وتزويده بحاميات عثمانية ولكن بسبب ضعف القوة التي يقودها مير علي بك اضطره للعودة لاسطنبول وذلك في عام ١٥٨٦م ومعه خمسون أسيراً برتغالياً والكثير من الغنائم.
– تمكن القائد العثماني من تحفيز المدن الأفريقية وزيادة رغبتها في الثورة ضد الاستعمار البرتغالي فاشتعلت وتأججت نيران الثورات في المدن الأفريقية في أعقاب الحملة العثمانية الناجحة وقد عاد القائد العثماني إلى اسطنبول وهو يحمل آمال ورجاء مسلمي وسكان أفريقيا لكي يخلصهم من البرتغاليين كما عاد وهو يحمل ٥٠ أسيراً برتغالياً والكثير ًمن الغنائم.
– عام ١٥٨٧م قامت ثورة عارمة في جزيرة بمبا أدت إلى قتل العديد من البرتغاليين ولكن حاكم الجزيرة الموالي للبرتغال تمكن من الفرار هو ومن بقي من البرتغاليين إلى ماليندي التي قام سلطانها بإرسال رسالة إلى نائب الملك البرتغالي في جوا الهندية دوم دوراتي دي مينزيس يعلمه بالأحداث التي وقعت بعد زيارة القائد العثماني وعلى إثر هذه الرسالة أرسل الحاكم البرتغالي حملة عسكرية مكونة من ١٨ سفينة حربية بقيادة مرتيمو أفونسو دي ميلو بومبار فبدأ بمهاجمة ممباسا وأحرقها وخضعت له باقي المدن طوعاً مثل لامو وباتا وفازا بعد أن وصلتهم الأخبار من ممباسا إلا أن البرتغاليين أبوا إلا أن يمارسوا هوايتهم المفضلة من قتل ونهب وإحراق للمدن وهذا ما فعلوه في فازا مثلاً حيث قاموا بإحراق المدينة بعد تدميرها وقاموا بقتل شيخها والمئات من سكانها وزيادةً بالنكاية بالمدينة وسكانها تم إغراق جميع السفن الراسية هناك.
-عام ١٥٨٩م أعدّ القائد مير علي بك أسطولاً صغيراً وضعيفاً مكوناً من خمس سفن وانطلق من ميناء مخا اليمني إلى مدينة ماليندي الموالية بشكل تام للبرتغاليين فقاومته ولم يستطع الاستيلاء عليها نتيجة ضعف أسطوله.
– توجه القائد العثماني إلى ممباسا واستقر فيها وأخذ يتجهز لمهاجمة ماليندي انطلاقاً من ممباسا.
في هذه الأثناء قام حاكم الهند البرتغالي دي سوزا كوتينهو بتجهيز أسطول مكون من ٢٠ قطعة حربية و٩٠٠ جندي بقيادة أخيه تومي دي سوزا كوتينهو ووصل ممباسا في شهر مارس ١٥٨٩م حيث كان العثمانيون متحصنون فيها ومن سوء حظهم العاثر فقد تزامن وصول الأسطول البرتغالي مع وصول قبيلة وازيمبالا الآكلة للحم البشري حيث تم إجراء مفاوضات بين البرتغاليين وقبيلة وازيمبالا واتفقوا على أن يقوم البرتغاليون بالهجوم من ناحية البحر ومن جهة البر يقوم أفراد القبيلة بالهجوم ومن لم يقع في أسر البرتغاليين قُتل وللأسف تم أسر الجنود العثمانيين ومن ضمنهم القائد مير علي بك الذي أرسل الى لشبونة وفيها توفي رحمه الله.
– عام ١٥٩٤م قام البرتغاليون ببناء قلعة ممباسا على اعتبار بأن مشاكلهم دائماً ما تبدأ منها وأخذوا منها طفلاً اسمه يوسف حمد من بيت سلاطين ممباسا وأرسلوه إلى الهند حيث تم تعليمه وتثقيفه وتنصيره على أيديهم وعندما مات أبوه نصبوه في مكانه، ويعتبر هذا الأسلوب من أخبث الطرق للسيطرة على الشعوب ولكن قدرة الله سبحانه وتعالى فوق كل شيء فقد حصل تضاغن وكره شديد وخصام وشجار بين السلطان يوسف والوالي البرتغالي في ممباسا ونتيجة لهذا الحقد بين السلطان والوالي هجم السلطان يوسف على الوالي البرتغالي وقتله وذلك في عام ١٦٣٧م مما أدى إلى قيام ثورة عارمة ضد البرتغاليين الذي التجؤوا إلى دير لهم هناك ولكن الأهالي هاجموهم وقتلوهم عن بكرة أبيهم.
– بعد ثورة ممباسا حدثت ثورة عارمة ضد البرتغاليين على طول الساحل الأفريقي الشرقي مثل مدينتي ممبا وماليندي ولكن للأسف الشديد استطاع البرتغاليون بقيادة فرانسسكو أودي سيسكاي وكابريرا القضاء على هذه الثورة وتم قتل قادة الثورة ورجالها ومارس البرتغاليون في المدن الأفريقية وخاصة العربية منها شتى أنواع التنكيل والتعذيب والتقتيل وقد تم التمثيل بمدينتي باتا وفازا وأوقع عليهم عقاباً قاسياً فهدم بيوتهم وخربها كما قام بمعاقبة قبيلة مزنغولوس وأهالي بمبا وقتل سلاطينهم ورؤوس رجالهم وألزمهم بدفع الجزية التي امتنعوا عن دفعها.
– أدرك سكان الساحل الأفريقي الشرقي بأنه لا يمكن لهم الاعتماد على المساعدة العثمانية لتحريرهم من الاحتلال البرتغالي لذلك تطلّعوا إلى فارس لتحريرهم ورغم امتلاك الفرس القوة البشرية والمالية والعسكرية إلا أنهم خيبوا ظن وأمل من طلبوا مساعدتهم، لأن أسلوب الفرس يختلف عن العمانيين فقد كان العمانيون يجاهدون ضد الوجود البرتغالي بينما الفرس يحاولون الارتباط بالسياسات الأوروبية من زاوية المصالح الاقتصادية والسياسية أيضاً حيث انشغلوا بمصالحهم الخاصة بدل تقديم المساعدة للمحتاجين لها وكذلك خشيتهم من إغضاب الدول الأوروبية وحتى يتسنى لهم تسيير شؤونهم جنباً إلى جنب مع الدول الأوروبية.
أما المنقذ الحقيقي والذي يعتمد عليه في الملمات والصعوبات فهم العمانيون أصحاب الشجاعة والحرب وأهل النجدات والحمية والغيرة وهذا ما سوف نتكلم عنه في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
المصادر: –
– المقاومة العمانية للوجود البرتغالي
في الخليج العربي والمحيط الهندي
(( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
المؤلف: –
أحمد بن حميد التوبي
– اليعاربة أمجاد وبطولات
المؤلف: –
د. أيمن محمد عيد
– دولة اليعاربة
المؤلف: –
د. عائشة السيار