وَحْشيَّة شاهين في ليالي تشرين2021
سالم الفزاري
نظرتُ للسماء فإذا هي مرفوعة، وأمعنتُ نظراً للجبال فإذا هي منصوبة، ومشيتُ على الأرض فإذا هي مسطوحة، وتأمّلتُ الإبلَ فإذا هي بقدرة رب العالمين مخلوقة، عِشنا أمدًا ونحنُ نرى الحياة من هذه الزوايا حتى أتى أمر الله في تلك الليلة الثقيلة جدًا، لتختلط معها مشاعر الترقُّب والشوق في آنٍ واحد فحُبّنا للمطر أصبحَ دمعةً نُخفيها عن الأطفال لكي لا يتسلل الخوف إلى قلوبهم الضعيفة، والواقع أصبحَ حسرة تكاد أن تقف قلوبنا من شدة ما نعيشه في تلك اللحظات العصيبة، والآلام أيقظتْ نفسها، وصدحت بها القلوب قبل الأفواه.
وكأنّني ما زلتُ في تلك الليلة المُظلمة بغسقها الداكن، المُروّعة بوقبها الشديد
المُوحشة بتسارُع أحداثها، المُقلقة على مُتسامِريها، المُخيفة بمشاهِدها العديدة، فهَزِيم المطر الشديد من جهة، وقصف الريح العاتية من جهة أُخرى، غطغطة أمواج البحر هاجت بطل قواها، وَوحْشيَّة شاهين في ليالي تشرين أزاحت لِثامها لتجتاح بعض ولايات شمال الباطنة، تسلل الخوف في كل مكان، وداهم القلب تلك الرعشة، لتطال أطراف الأجساد، وتُهيمن على الأنفس بِحملها الثقيل كالأوتاد.
الخسائر طالت الأرواح قبل المُمتلكات، وتجرع مرارة الحدث أمرٌ لا بُدَّ مِنه، فُقِدت فلدات الأكباد، وتصدعت الأسطُح، وانهارت الجُدران، وتكسّرت الأشجار، وتطايرت غصونها، سقطت الأعمدة، وتهدّمت الطُرقات، فُقِدت الكهرباء، وانقطعت توصيلات المياه.
ما إن تكشّفت لنا مشاهد الأضرار، وحجم الخسائر، حتى تجسّدت مباشرةً وعلى الفور أعظم الملاحم الوطنية لعُمان العظيمة بشعبها وبسواعد أبنائها المخلصين، إذ هبَّ المتطوّعون مِنْ كلِ حَدَبٍ وصَوْب؛
قاصدين تقديم يد العون لإخوانهم المتضررين في الولايات المنكوبة، إزدحام شديد في بعض الشوارع، ومركبات على مدّ البصر تحمل المُؤن، وطاقات من الشباب المتطوعين، مسطّرين بذلك ملحمة وطنية تاريخية للعالم أجمع بمعنى الكلمة، وصدق الفعل.
غادر قبلهُ جونو ومكونو، وغيرهما الكثير من الأعاصير التي أُرّخت عبر صفحات الأرشيف المناخي للسلطنة، وها هو إعصار شاهين يكتُب سطرًا آخر، مدونًا اسمه في ذلك الأرشيف، مودعًا أجواء السلطنة، ليبقى بحرَي العرب وعمان هما ذلك الامتداد الجغرافي للمحيط الهندي الشقيّ، الّذي سيظل يُرعب أكثر من 3165 كم طول السواحل العُمانية الممتدة من جزيرة تدمار شمالًا حتى صرفيت جنوباً في كل موسم.