مقالات صحفية

من فضلك تريث

بقلم : أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
٢٧ يونيو ٢٠٢٠م

“للناس ظاهر والمظاهرُ تخدع، فلا تحكمنَّ بالذي ترى وتسمع !”، “عاشر الناس لتدرك أصلها، فحقيقة المرء بالعشرة تسطع”.

أزعجني تفاعل الكثيرين في إحدى منصات التواصل الاجتماعي مع تغريدة لشخص يتهم فيها آخر بفعل معين، والكثير علق وكأنه يعرف التفاصيل، ويعرف هذا الشخص ويتهمه ويصدر الأحكام عليه وينتقص من قيمته، لماذا؟
إن إصدار الأحكام السابقة على الناس هو في الحقيقة أمرٌ مؤذٍں لأنها أحكامٌ تفتقر إلى الأدلة القاطعة، وهي تعتمد على مجرد كلام يقال من الآخرين، ومن ثم فإن هذه الأحكام لا تفسح مجالًا للتطور والتغير الإيجابي، ولذا فهي تتسبب في إلحاق الأذى. فالأحكام تخلط عادة بين الأشخاص وسلوكهم، ويحتاج المرء إلى التحلي بالحكمة لإدراك الفرق، فبالحكمة يدرك المرء أن هويته الحقيقية هي وعي خالص، وبالحكمة يعرف المرء أن الدين الحنيف، والعادات والتقاليد تنافي هذا الفعل، قال ابن سيرين رحمه الله: «إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه». وللأسف نسمع الكثيرين يصفون مثل هذه الأفعال بـ ” هذه ليست من عاداتنا وتقاليدنا ولا من إرثنا ولا من ديننا”، ولا أعرف حقيقة ما هي عاداتنا وتقاليدنا تلك؟، عاداتنا وتقاليدنا هي ما نعيشه ونطبقه ونمارسه واقعا فعليا، عاداتنا وتقاليدنا ليست أماني ولا أوهاما، هي منهج تربينا عليه، ومن المفترض أن يطبقه عموم أفراد المجتمع، ويمارسه ممارسة يومية فعلية، لا شعار نناشد به، أو أمنية نحلم بها.
(I’m OK – You’re OK) كتاب أصدر في سبعينيات القرن العشرين للكاتب توماس أنطوني هاريس، وكان الكتاب في ذلك الوقت شهيرًا جدًا في فترة طفرة كتب علم النفس، ويعبر عنوان الكتاب عما يفعله معظمنا طوال الوقت كإصدار الأحكام على الآخرين. وللأسف فإن الكثير منا يحكم على الآخرين بدون معرفة شخصية، أو تجربة أكيدة، بمعنى أن أحكامنا ليست “على ما يرام”، بل تشكل بالأحرى آراء تؤذي الآخرين.
وأختم بالقول إن التحدي المطروح ليس تجنب إصدار الأحكام بقدر ما هو تكوين ’’الحكم السليم‘‘.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights