للعَدل مُتّسَع!
ِ
بقلم: ريم الحبسي
العَدل هو الشّعور الذي يحتاجه المَرء بعد أن تولد بِداخله دوّامة من الأحَاسيس وفوضى مُتراكمة سبّبها الظّلم وظلَام القَلب والدّعاء سرّاً بالسوء.
أن تَسأل هذه المجرّة التي نعيش فيها كافّة بشكلٍ عام ومن ثم المّجتمع الصّغير بِفكره بشكلٍ خاص “ماذا يعني لكم العدل؟”، سيكون الرّد شرحاً مُختصراً ومُنحازاً إلى التطَرّف عن نظرةِ العالم، التي لامست الأرقَام السّالبة على خط الأعداد الأفِقي، ومن ثم امتدّ منها خطّاً فرعياً لامُتناهي وغير مُتزعزع، ثابتٍ في أصوله ولكنّه لم ولَن يُلامس الصّفر خَشية انتقاله إلى رقمٍ إيجابي فتُصبِح له قيمة ومن ثمّ تجبره قيمته الضئيلة على أن يتواضع بفكره!
يُجيب جُزءٌ من المجتمع بأن “العدل هو عدم الظّلم”، ويُجيب آخرون “كَلِمة عَدل تَعني المسَاواة”، وصوتٌ عالي يأتي من البَعيد “العَدل أن تتم المُعاملة بالمِثل”، وأصوَاتٌ تَهمس وتتهامس “العَدل هو أن يتم تَربية الأبناء بطريقة مُماثلة لتربية الآباء”، ويَقول آخرون بارتِباك “إن العدل يعني التّواضع”، وبين جميع هَذِه الرّؤى والاراء، تَبقى هناك أغلبية غالِبة بِصمتها وعَدم إبداءها أي رَأي دليلاً على أن هناك قيمة عُظمى يولّدها “القَطيع” لأن صَوتهم يُمثّله من يعتَقِدون أنّه يتقدّمهم ببعضِ المعايير والمقاييس التي وضعوها لأنفسهم ومن أجل انفسهم وحياتهم.
خالِقُ هذا الكَون جَعل النّور فيه مُستمدٌ من ضوءِ الشّمس، وجَعل القمر يستفاد منه في اللّيل حين تَغرب الشمس، تماماً مثل العِلاقة الأبديّة بين العَدل والظّلم؛ فالظّلم لا يوجد به دليل إلا ان يَستدل بالعدل ويهتدي بنورٍ من أخذِ الحقوق وعَدم مجَاوزة الحد فيما هو ملكٌ للغير.
ولَكِن ان أعدنا النظر فيما يسمى بالعدل والمساواة لنجد فرقاً شاسعاً بينهما، ان نسأل ونطالب بالمساواة يعني ان نسأل السّعادة التي تسبّبها المادّة المُعطاه إلى افراد آخرين، ظنّاً منّا انها قَد تُسعدنا بمثل ما اسعَدتهم، أو ان نُطالب بنفس الابتسامة التي اُبتسِم لهم فيها وكأننا سنَصل إلى نفس المستوى الشّعوريّ الذي وصلت قلوبهم إليه.
غرَابة في أمر هذه المادة العميقة جداً والدسمة حقاً في التحليل، لأن العقل الإنساني له حدود لتحليل المواقف الذي هو نتيجة للتفكير الذي يتطرق له دماغ الإنسان، والنشاطات المختلفة المرهقة التي ترهق عقله تماماً مثل التفكير المستمر في أمر ما لتصديقه ومواكبة أحداثه ومواقفه أو التوقف على عتبة بابه والتصريح الواضح قولاً وفعلاً لعدم الاتفاق لأن ثمّة ما بهذا الأمر ما هو غير مقنع وليس به من العدل شيء وبه من الظلم كل المقومات التي تثبته.
أصبح العالم مليء بالحروب المستمرّة التي يستبد فيها الظلم وتسلب فيها الحريات وتؤخذ فيها الأرواح قسراً، ومليء أيضاً بالأسرى والضحايا المُرميين والمُهملين على الأرصفة والطرقات كأنّما خُلقوا مفرقين عن غيرهم واستكانوا في العالم وكُتِبَت عليهم أيام الضعف والذلّ جبراً.
وفي الجِانب الآخر تكثر المطالبات ويتزايد السّؤل بالعدل جهراً وعلانية، ان نُبعِد الظّلم السّيء، وان نستشعر عَظمة ورِسالة أن الله سبحانه وتعالى أنه قد خلق هذا العالم في أحسن تكوين وصوره في أحسن صوره وجعل للإنسان حق وفرّقه عن غيره من المخلوقات ليعيش مكرماً لا مهاناً ويمضي عليه العدل مثل غيره من كل شيء. تماماً مثل الحيوانات التي جُعلت لها حياة في البرية والغابات والصحاري بعيداً عن تمدّن البشر والحياة التي اعتمدوها في القرن العشرين وأكثر، فالعَدل يكمّن في تركِ هذه المخلوقات تعيش وشأنها، تملك قوت يومها بنفسها، وتَفترس الإنسان حين يحاول أخذ حقوقها وسَلب نِعم الله عليها.
بالنّظر إلى الحيَاة العَامّة كُلّ شَيء مُتَزَعزِع كالانتقال بين العدل والظلم أو بين النور والظّلام يسبّب فَوضى شعوريّة عميقة، وكلها تتسببّ في تشتّت قلوبنا وأهدافنا وعقولنا، كطِفل رضيع حُكم عليه بالسجن المؤبد لأنه لا يَفقهُ قولاً، اختفى العدل بين جبال الظلم العالية، وتناسى العالم قوله تعالى “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”، وتجاهل العالم الآخر أن للعطف والشفقة والتفهم متّسع بين الناس وأن للمشاعر حقٌّ علينا وعلى الإنسان.