سياحتنا، ينقصها الاهتمام
هلال بن حميد بن سيف المقبالي
لقد حبا الله أرض عُمان بمقومات جمالية عديدة تؤثر على صناعة السياحة؛ وتنوعت هذه المقومات بين التراثية (البيوت الأثرية ، القلاع، الحصون، الحارات القديمة والمتاحف).
والطبيعية (جبال، وديان، عيون، أفلاج، و سواحل بحرية مختلفة التضاريس).
ومزارات دينية (أضرحة، مساجد ومقابر )، تنوع وتمازج تراثي ثقافي وبيئي بتضاريسه ومناخاته المختلفة، فمن القلة القليلة أن يوجد هكذا تنوع في أرض واحدة.
من المفارقات في هذا الجانب وما نأسف عليه أن قلة الاهتمام واضحة والتقصير ملحوظ في هذا الجانب الحيوي الذي يُعد رافدًا مهمًا للدخل القومي؛ وهذا ما لاحظته خلال زيارتي هذا العام إلى جنوب عُمان “محافظة ظفار” لأستمتع بجو الخريف المنعش، ففوجئت بأنه لم يحدث أي تغيير في الطابع السياحي والمرافق الخدمية منذ آخر زيارة كانت لي في موسم خريف 2018 قبل جائحة كورونا (كوفيد 19)، وبالرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات، وما زاد من أستغرابي حتى دورات المياه التي كانت لا تذكر من الأساس لقلتها، أُغلقت والعذر للصيانة، فهل سنوات المنع و َالحجر “الكورونية” لم تكن كافية لصيانة هذه المرافق البسيطة؟.
حيث أُستبدلت بحمامات متنقلة (كرفانات) و لكن وللأسف بعض هذه الكرفانات مغلقة في بعض من الأماكن والمواقع المهمة!!؛ لم ألحظ إضافة جديدة تُذكر، -ومن تكررت زياراته و زار المحافظة هذ العام حتمًا سيلاحظ ذلك- فبعض المواقع لم يتغير فيها شيء منذ التسعينات مثل المغسيل وأفتلقوت، وشعت والعيون المائية، هكذا حالها، لا خدمات إضافية، ولا مواقف للسيارات كافية، وكأن المكان يأن بما آل إليه من جمود من طول مدة الانتظار لتطويره وإظهاره بمظهر مختلف قليلًا، وهذه الأماكن فقط للتوضيح وليس للحصر فهناك العديد غيرها من المزارات، والأماكن الجميلة التي تحتاج لوقفة صادقة، فهل اكتفى المعنيون بما قاموا بإضافته لهذه المزارات والأماكن السياحية؟.
وهنا لا يقتصر الحديث على محافظة ظفار فقط، ولكن لجميع المحافظات؛ وكانت ظفار أنموذجا فقط لضرب الأمثلة، كونها الوجهة الأشمل والأوسع في هذا المحال، و من حرصنا نقول يكفي عبثًا بهذا القطاع الناشئ والمحرك الحيوي للاقتصاد، فسياحتنا ينقصها الاهتمام.
إن التنافس في صُنع السياحة على مستوى العالم كبير، وكبير جدًا، وإذا اكتفينا بما نحن عليه فلن نكون مطلقًا على خارطة السياحة العالمية في الأعوام القادمة. فإذا كانت الحكومة فعلًا تؤول من السياحة في رفد الاقتصاد الوطني، فعليها السعي بجدية أكثر، و خلق فرص استثمارية لإدارة الأماكن السياحية، وطرح المناقصات لتطوير هذا الجانب.
ألم يعلم المعنيون أنّ السياحة تُعدّ واحدة من أسباب النشاط التجاري الذي يتأثّر بشكل كبير بالنشاط السياحي من خلال ما يشغله السواح خلال زياراتهم من مواصلات و مطاعم وفنادق، وما يستخدمونه من بطاقات اتصال و تعبئة وقود، وما ينفقونه من مبالغ لشراء احتياجاتهم الشخصية، وما يحملونه معهم من تحف وهدايا محلية وتراثية، تعزز من الجانب الاقتصادي؟
ألا يعلم المعنيون إلى ما تتركه السياحة من آثار إيجابية على السائح نفسه؟ ، ففي السياحة يطّلع السائح على ثقافات مختلفة، وَعادات متنوعة، فتتوسع مداركه، ويزداد ما قد يكتسبه من عادات وثقافات جديدة ومعارف وعلاقات بأشخاص من البلد يستفاد منها في تشيد الاستثمار السياحي. إذا وجد هذا السائح راحة للروح وتأمل للعقل سيعود بعدها إلى بلده منشرح النفس مليئاً بالنشاط والتفاؤل، مما يجعله يعود عدة مرات، وربما يجلب معه في كل مرة أعدادًا أكثر بترويجه لما يراه ويشجع غيره للقدوم والاستمتاع بما استمتع به.
ألا يعلم المعنيون أن السياحة ترفع من قيمة الدولة الحضارية بين الدول، وتضاعف فرصة إقامة المشاريع الاستثمارية فيها؟
ألا يستحق كل ذلك القليل من الاهتمام بالمقومات السياحية وتكثيف الترويج لها؟
وهنا لا ننكر فضل القائمين على السياحة على تطوير هذا المنتج الاقتصادي الحيوي، ولكن نتمنى منهم المزيد من الاهتمام، والرقي بهذا المورد الاقتصادي الناشئ.
أصبحت السياحة لبعض الدول المصدر الوحيد للدخل القومي، ومقوماتها السياحية ليست بأفضل، مما تختزنه بلادنا الحبيبة، ولكن بالترويج، وَتسهيل إجراءات الاستثمار، وتوفير البنية الأساسية للسياحة، و وجود البيئة الاستثمارية السهلة؛ أصبحت هذه البلدان الوجهة الأولى للمستثمرين، فإذا رغبنا حقًا في المنافسة في هذا الجانب، فعلينا الاهتمام فعليًا بهذا الجانب، واستقطاب المستثمرين وتسهيل وتسخير كل المعوقات، والعقبات التي تمنع أو تحد من نمو هذا القطاع الحيوي، و وضع الرؤية الشمولية من أصحاب القرار للنهوض بهذا القطاع بمستوى يليق بمكانة البلد، ويدعم الاقتصاد.
إننا عندما نتكلم عن جزءًا بسيطا من الكثير الذي نراه، فذلك من حرصنا على رؤية أرضنا العمانية زاهية بحسن المنظر وطيب المظهر، يُشار لها كوجهة سياحية عالمية، لا تتوقف السياحة فيها لموسم أو آخر.
و إذا كانت الحكومة متمثلة بالقائمين على تطوير هذا القطاع، حقًا جادين بتطويره والرقي بهذا الجانب، هذا ما سنلاحظه لاحقًا.