المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي ((١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
أحمد بن علي المقبالي
الجزء الواحد والعشرون:-
كان عن مبايعة سلطان بن سيف اليعربي بالإمامة وطرد البرتغاليين من عمان نهائياً عام ١٦٥٠م.
الجزء الثاني والعشرون:-
مقالنا لهذا اليوم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن بدء العمليات الحربية للقوات العمانية لتحرير مسقط.
– بدأت القوات العمانية بشنّ هجمات خاطفة على مواقع وتحصينات القوات البرتغالية لجسّ نبضها ولإنزال الرعب في قلوب أفرادها، كما تم ضرب طوق مُحكم من الحصار على مسقط من جهتَي البرّ والبحر.
– ومن مسببات الأمور أن الله سبحانه وتعالى إذا أراد أمراً هيأ له الأسباب وما على البشر سوى الأخذ بها فقد وقع خلاف بين القائد البرتغالي وأحد الهنود الذين يعملون لديه واسمه نروتم وسببه أن الهندي لديه إبنة على قدر عظيم من الجمال فأُعجِب بها القائد البرتغالي فطلب من أحد القساوسة أن يخطبها من أبيها فرفض هذا الأمر وقال:
((إن هذا الذي يريده السلطان لا يليق بي ولا به إذ هو نصراني المذهب ومذهبي غير مذهبه فهو وأهل مذهبه يحلّلون شُرب الخمر وأكل لحم البقر وسائر الحيوان الغير ناطق ولستم في القديم ولا الحديث أنتم تتزوجون بناتنا ولا نحن نتزوج منكم وهذا شيء لا يكون)).
– إلا أن القسيس رفض كلام نروتم وقال له: ((إن لم توافق فسأزوجها رغماً عنك بالقوة ونصيحتي لك أن توافق)) وهنا أدرك نروتم أن رفضه سوف يجلب له أموراً لا تُحمد عقباها فقرر أن يستخدم أسلوب المكر والخداع والحكمة فقال للقائد البرتغالي: ((أمهلني مدة عام حتى أصوغ لابنتي حليّاً يُصاغ لكل عروس من بناتنا الأبكار فإذا تم الصوغ ووصلني دفعت إليك ابنتي وحصلتَ على ما تريد)).
– استبشر القائد البرتغالي بهذا الأمر فرفع من مقام نروتم عنده وأصبح يستشيره في كل أموره وأصبح ذا مكان ونفوذ عالٍ وأصبحت كلمته مسموعة فهو المستشار الأمين وصاحب الكلمة العليا والفصل عند القائد البرتغالي.
– عندما تيقن نروتم أن كلمته مسموعة وذات تأثير لدى الحاكم البرتغالي بدأ برسم خطة محكمة تتسم بالذكاء والحنكة والمكر فقد اقترح على نسيبه المستقبلي المفترض وقال له:
((إن الماء الذي في الحصنين الشرقي والغربي قديم وتسبح فيه الديدان وأنه يخشى من طول حصار العمانيين لهم فإنه يرى أن يتم استبداله وتجديد البارود ودقه مجدداً، أما مخازن القمح فقد أصابه التلف وإنه ينصح القائد فريرا بتجديد كل ما ذُكر))، فلما سمع فريرا كلام نروتم أعجب به شديد الإعجاب وكلفه بتنفيذ ذلك.
– بدء البرتغاليون بتنفيذ الاقتراح عندها قام نروتم بمراسلة الإمام سلطان بن سيف وأخبره بقصته مع القائد فريرا والقسيس وينصح الإمام بأن يكون هجومه يوم الأحد كون البرتغاليين يحتفلون فيه ويشربون الخمر وعليه قرر الإمام ضرورة استغلال هذه الفرصة الذهبية.
– في اليوم المنشود أي فجر الأحد صلى الإمام صلاة الفجر وصلاة الحرب ثم تقدم بالجيش مسرعاً نحو الهدف، وصلت القوات العمانية إلى عقبة الوادي الكبير بمسقط ومنها بدأ الجيش العماني بشن هجوم شامل وعنيف ومركّز ضد البرتغاليين فتمّ تبادل إطلاق النار مع البرتغاليين الموجودين في الخطوط الأمامية من مسقط فتم تجاوزهم ووصلوا إلى السور الذي تجاوزه إلى الجهة الأخرى بالسلالم وسيطروا على جميع بوابات السور وهنا قام الإمام بتقسيم جيشه إلى قسمين وهما:-
١- القسم الأول كانت مهمته الهجوم على الحصن الشرقي (الجلالي).
٢- القسم الثاني تكون مهمته الهجوم على الحصن الغربي (الميراني).
– قام الجيش العماني بشن هجوم كبير على الحصنين مستخدمين السلالم فاندفعوا متسلقين السلالم ولكنهم واجهوا مقاومة شرسة ومستميتة من البرتغاليين فكثر الشهداء العمانيون الساقطون من على السلالم ولكنهم وبإصرار عجيب ومدهش استطاعوا الوصول للأعلى في نهاية المطاف ونشبت معركة شرسة مع البرتغاليين واستطاعت القوات العمانية السيطرة على القلعتين الحصينتين وتم القضاء على من فيهما.
– استعصى أحد البروج البرتغالية على القوات العمانية ولم تستطع السيطرة عليه وهذا البرج كان تحت قيادة أحد ضباط البرتغاليين واسمه كابريتا فقد كان يقاوم مقاومة شديدة، بل كان يهاجم القوات العمانية متى ما سنحت الفرصة له وفي إحدى المرات قام البرتغاليون بالهجوم على القوات العمانية المتواجدة في الجيرزا فدارت رحى معركة شديدة وقاسية فاضطر كابريتا للانسحاب ولكن القوات العمانية لاحقته واشتبكت معه في معركة قوية انتهت بمقتل القائد البرتغالي.
– صدرت الأوامر من القائد الأعلى للقوات العمانية الإمام سلطان بن سيف اليعربي بمهاجمة حصن مطرح الذي كان مزوداً بتحصينات ووسائل دفاعية قوية ولكن قائد الحامية البرتغالية هناك فضّل الاستسلام للإمام بعد أن وصلته المعلومات حول ما جرى في مسقط.
– أخذت السفن البرتغالية تدكّ المواقع العمانية دون أي ردّ من العمانيين كون السفن العمانية لا تضاهي السفن البرتغالية من حيث الحجم والقوة ومدى نيران المدافع وهنا أشار مسعود بن راشد التوبي ابن مغيوث أحد قادة الإمام الكبار بمهاجمة السفن البرتغالية باستخدام الخناجر والسيوف للقضاء عليها فوافق الإمام وأوكل إليه هذه المهمة فتوجه ابن مغيوث إلى داخل عمان فانتخب مائة رجل من الشجعان فلما أقبل بهم إلى الإمام أجزل لهم العطاء لما هم مقدمون عليه.
ملاحظة: (( تنفيذ هذه العملية يحتاج إلى رجال لديهم مقدرة على السباحة والغوص وهذا يستوجب اختيار من ينفذ هذه المهمة من أبناء المناطق الساحلية أو من الأفراد المتواجدين على ظهور السفن العمانية التي تحاصر منطقة الخوير كونهم محترفين على السباحة والغوص منذ نعومة أظفارهم وأما توجه ابن مغيوث إلى داخلية عمان لمهمة بحرية لا أعتقد من وجهة نظري الشخصية تتلاءم مع متطلبات العملية)).
– قام ابن مغيوث ومجموعته بمهاجمة السفينة الراسية أمام ميناء مسقط أولاً بعد العشاء وصعدوا إلى السفينة بعد أن جُرح وقُتل الكثير منهم بنيران البنادق البرتغالية وعند الفجر كانت السفينة البرتغالية تغرق بعد اشتباكات دامية على ظهرها بين الطرفين استطاعت قوات ابن مغيوث تنفيذ المهمة كما تم تنفيذ نفس السيناريو مع السفينة الثانية حيث تم إغراقها في اليوم التالي.
– اختلف المؤرخون حول كيفية وصول العمانيين للسفن البرتغالية فهناك من يقول بأنهم قاموا بالسباحة إليهما ومنهم من يقول بأنهم استخدموا زوارق صغيرة والملاحظ أن معظم المصادر العمانية تقول إنهم استخدموا زوارق صغيرة للوصول لسفينتين.
– في ٢٣ يناير عام ١٦٥٠م انتهت معركة تحرير مسقط التي ادت الى طرد شامل وكامل للقوات البرتغالية من الاراضي العمانية.
مقالنا القادم إن شاء الله تعالى سوف يكون عن التقارير الأجنبية حول تحرير مدينة مسقط عام ١٦٥٠م.
المصادر:-
– المقاومة العمانية للوجود البرتغالي
في الخليج العربي والمحيط الهندي
(( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
المؤلف:-
أحمد بن حميد التوبي
– اليعاربة أمجاد وبطولات
المؤلف:-
د. أيمن محمد عيد
– دولة اليعاربة
المؤلف:-
د. عائشة السيار