لا تهمّشوا الطب!
د. يعقوب اللويهي
اِحْتدم جدالٌ في وسائلِ التواصل الاجتماعي حول قضيةِ مريض شُفي على معالج شعبي بعد أن فقد المريض الأمل بالشفاء على حدِّ تعبير المعالج الذي نشر الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي، فبدأت معركةٌ حامية الوطيس بين مصدّقٍ وبين مكذب وآخرَ لا إلى هذا ولا ذاك، ولم تخلُ جلُّ التغريدات من الصراخ اللفظي والمراشقات الكلامية التي وصلت إلى التهكم والسخرية!
شبّهت المشهد بمعركة حقيقية بين جندي خضع لأعلى مستويات التدريب، مدججٍ بالسلاح وبأكثر الأسلحة تطورًا وتقنيةً تم تطويرها على مدى سنواتٍ طويلةٍ من البحث والدراسة والتطبيق، وبين جندي آخر لا يحمل سوى نبلةٍ وحصى يحاول أن يثبتَ للعالمِ أن سلاحه أقوى لأنه استطاع مرةً أن يصيبَ شخصًا في رأسه فأدماه!
ذاك هو نفسُ المشهد ولكنه على مستوى العقل والمنطق فلا يزال البعض يهمّش الطب الحديث الذي لا ينفك يتطور يومًا بعد يوم منذ أن بدأ يومه الأول قبل مئات، بل الآلاف السنين.
إن هذا العلم يستند على قواعد و أساسيات يمر خلالها على البحث الدقيق ومراحل للتجربة آخذًا في الاعتبار جميع النتائج الجانبية، فقبل أن يكون طبًا كان علمًا حيويًا دقيقًا يبحث في أعماق الخلايا فصوّرها ودرس تركيبها ووظائفها الحيوية ثم توسّع فشمل كل أجهزة الجسم البالغة التعقيد وفوق كل هذا لا تزال آياته سبحانه حاضرة عند كل منعطف يُسمع صداها “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” فلا عجب إن عجز في تحليل أو تفسير علّة أو مرض فضلًا من أن يجد لها علاجًا!
وقد يبلغ عدد ما سُطر في هذا البحر العدد الهائل من الكتب والدراسات والبحوث!.
أبعد كل هذا نلجم أذهاننا عن تقبّله ونسفّهه ونفتح الباب على مصراعيه على خلطة أعدها أحدهم لا يتجاوز عمره دراسةً واحدةً في الطب ثم قال: “هي شفاء لكذا وكذا وهلمّ جرا!”
أفلا تعقلون؟ أفلا تبصرون؟ أأقصيتم ذاتكم عن ” إنّ في ذلك لآيات لِأُولى النهى”!.
ألا تفرّقون بين مجتهدٍ تعلّم ودرس وبحث ثم أخطأ فكان له أجر!.
وبين من ادّعى علمًا لأنه أصاب مرة أو مرتين ثم خاب دهرًا!
حاله كحال قوله عليه السلام: “كذب المنجمون ولو صدقوا” !
ألا يكون ذلك تنجيمًا لا علمًا حين يخلو من كل قواعد العلم والبحث إلا من عُشر أحدها، ربما ؟!
هلّا كلّف أحدهم الحضور إلى بعض العيادات ليرى مغبّة أفعالهم!.
كل مادة طبيعية تُستخدم يتم تفصيلها من قاعها إلى أطرافها ثم يُبحث عن مدى ضررها على الجسد فقاعدة الطب الأولى هي “لا تؤذِ”، فيتم التأكد من وجود أيّة مواد ضارة وكيف يتخلص الجسم منها ثم يُنظر في مدى فعاليتها وتأثيرها على جميع أجهزة الجسم ثم توضع الاحتمالات ماذا لو كان كذا أو حدث كذا…
والتفصيل يطول جدًا…
أليس هذا فقه الطب؟!
فأين فقههم وقواعدهم لنحكم عليه بأنه “علم”، لا ينبغي تحليل النتائج بسطحية ثم وصفه “طبًّا” لمجرد أنه مجرب فقط، فالتجربة وحدها لا تكفي ويتعداها اعتبارات وقواعد وقد جاء في المستظرف للأبشيهي المثل العربي: “سل المجرب ولا تنسَ الطبيب”.
وهنا أعني الطب الشعبي التقليدي لا البديل الذي بدأ بأدواته البسيطة في ذلك الوقت ثم سلك مسلكًا علميّا يُشهد له.
والشيء بالشيء يذكر، فالتناقض مغروس في فكرهم!
ألم يناهض الكثير – متصيّدا في الماء العكر – اللقاحات ضد مرض كورونا حين احتجوا بقولهم: “إن اللقاحات يجب أن تمر على مراحل وقد يستغرق ذلك سنوات فكيف استطاعوا أن يصنعوا لقاحًا في فترة قصيرة؟!”
أليس هذا وصفًا دقيقًا لما يقوم به المعالج؟ خلطة ووصفة في فترة زمنية قليلة،ثم أصبحت علاجًا سحريًّا!
بيْد أن العلم في تطور مستمر وتقدم سريع وأكبر شاهد على ذلك ما نراه من تطور وتكنولوجيا ما إنْ لو حُكيت لشخص في القرون الماضية لقال إن هذا لسحر مبين!
ألا تقرؤون التاريخ وحال الأمم مع الخرافات والأساطير.
ألم تدركوا سبب نهضة الأمم وتقدّمها؟
إنهم كذلك حين رفعوا العلم ونحن بقينا حين وضعناه.
يا كرام لا تهمّشوا الطب.