“كن متواضعاً”
بدرية بنت حمد السيابية
يعتقد البعض أنه عندما يملك كل شي من مال وجاه وخدم وحشم وقصور وأملاك، ويتباهى تكبراً بين الناس وكأنه قد ملك العالم كله، ولا يعلم بأن الله مالك كل شي، فله الملك سبحانه وله العرش العظيم، فتجد هناك المغرور والمتعالي ومن يحمل في نفسه ويجري في دمه التكبر ويستهين بالآخرين بسبب مركزه في المجتمع _ الله سبحان وتعالى خلق الناس سواسية _وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الناس سواسية كأسنان المشط الواحد. لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى».
في الحقيقة كنت ذاهبة إلى أحد المحلات التجارية في البلد إذ لفت انتباهي أحد الجاليات الآسيوية تجر أمامها عربة مملوءة من أصناف متنوعة من احتياجات المنزل، وظل فكري شارد مع المنظر وقلت في نفسي: كيف لها أن تجر كل هذه الكمية الكبيرة وبنية جسمها ضعيفة وكأنها تحمل فوق طاقتها، وفوق كل ذاك التعب المرهق وكانت هناك سيدة تأمر وتنهي ويعلو صراخها: أنتِ بطيئة كالسلحفاة هيا أسرعي، بعدها توارت عن ناظري لتكمل مسيرها وسط ضجيج الحياة بكلمات قاسية ومؤلمة، وتجر معها غصات محبوسة بدموع تحرق خدها، ليكن الله في عونها.
لنرحم من هم أقل حيلة ومن عصفت بهم الحياة ليكملوا مسيرة العيش بهناء وسط مجتمع غير مجتمعهم، وتمر غربتهم مرور الكرام مسالمين بيننا بكل حب وود، فالإنسان يعيش على هذه الأرض ليعطي وينتج ليحصد كل عمل قام به، ولا تستهين بالكلمة الطيبة مهما كانت، ولا تصب غضبك على كائن يستنشق هواء الدنيا، له أحاسيسه فلا تجرح مشاعره وتعلوا عليه، فالتواضع من أسمى الأخلاق – قال الله تعالى: { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا }..[الإسراء: ٣٧]، أي: لا تمش في الأرض متبخترًا كمشية الجبارين، فإنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها وشدة وطئك، ومهما شمخت بأنفك عاليًا فلن تبلغ الجبال ارتفاعًا.
على ما يتكبر الناس والجميع من تراب؟! وعلى ما يتجبر المتجبّرون والموت مصرعهم؟! وبماذا يتعالى بعض الناس على بعض والقبور بعد هذه الدار منازلهم؟! كيف يتكبر الإنسان وهو مخلوق ضعيف فقير ناقص من كل وجه؟! والكمال لله وحده، ازرعوا في قلوبكم الطيبة والرحمة ولا تفرقوا بينكم وبين أحبابكم ازرعوا في نفوسهم محبة الجميع ومسامحتهم في كل الأحوال، ولا تميزوا هذا عن ذاك وخاصة في الجانب العائلي فهناك من يفضل الابن عن الابنة والعكس، وأيضا في محيط عملك فأنت القائد يجب أن تكون قدوة للغير ملتزماً بالقواعد أخلاقياً ونفسياً واجتماعيًا، فاظهر لهم حسن الحوار وتقبل الرأي، ولا تتسلط عليهم بصفاتك السلبية، اكسبهم بكلمة طيبة وابتسامة بشوشة على ملامح وجهك، انثر السعادة في قلوبهم.
التواضع سمة جميلة وصفة تظهر لك جمال قلبك ألقِ السلام على من تصادفهم في طريقك، ابتسم في وجوههم، قل كلمة طيبة تكون رصيداً لك في آخرتك، ساعد المحتاج ومن يلجأ إليك، لا تبخل على من اعتمد عليك ووثق بك، أفرد جناحيك وحلق عالياً وكن متواضعاً.