دروس من مدرسة الحياة
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد جعل الله لنا هذه الحياة مدرسةً ومنهجاً نتعلم منها الكثير من الدروس والعبر، ونضع لأنفسنا منهجاً خاصاً ننتهجه لحياتنا، وفي نفس الوقت نتعلم من دروس حياة الآخرين؛ لنستفيد من التجربة، ونصحح بعض الأخطاء والهفوات التي تصادفنا، فكما أن الحياة هي مشاركة وتفاعل مع الآخرين، فهي كذلك تكامل لمنظومة الوجود للتعايش والتأقلم مع كل مجريات الأمور في الشدة والرخاء، والفرح والترح.
من تلك الدروس التي نحن بصدد التحدث عنها في هذا المقال؛ هي التعامل مع أصنافٍ من البشر ممن نبتلى بهم أحياناً؛ نتيجة سلوكهم السلبي من خلال التعامل؛ فهل تعلم أن سبب وجودهم في حياتك هو لصالحك؟ وهو بمثابة المدرسة السلوكية؛ لكي تصلح نفسك، وما بداخلك من أمور؟!
نعم إنها مدرسة الحياة، فقد تصادف أصنافاً من البشر، ظاهرهم فيه شفقة ورحمة، وعندما تتعامل معهم أحياناً تجد عكس ما تتوقع، فمثلاً عندما تتعامل مع شخص عصبي؛ فهنا تدرك أهمية عدم التعجل في الحكم وردة الفعل فتتعلم الصبر، وكذلك الحال عندما تتفاجأ بشخص أناني ويقدم مصلحته الخاصة؛ فتتعلم منه الأناة والحكمة، وقس على ذلك باقي الصفات السلبية والمرهقة التي تتفاجأ بها.
بالرغم من صعوبة تقبلنا لبعض من تلك الأصناف من البشر إلا أننا على يقين تام بأنّ الله سبحانه وتعالى قد جعلها لنا حكمة ودرساً لنعالج أمورنا، فمن خلال هؤلاء الأشخاص والمواقف المزعجة التي تصدر منهم، علينا أن نكون يقظين ومتفهمين لكل موقف، ولنا في قصة نبينا موسى عليه السلام مع الرجل الصالح لعبرة، لذا فلننظرْ لكل شخص يدخل في حياتنا؛ كأنه الرجل الصالح بالنسبة لنا، وقد أُرسل لنا لنتعلم منه ما لم نحط به علماً.
إن كنّا ندرك أهمية هذا المبدأ؛ فماذا إذاً سنتعلم من وجود أمثال هؤلاء في حياتنا؟ فهنا نقول: ماذا لو كانت كل البشر عكس ذلك؟ ولا نصادف من يعكر علينا حياتنا وينغصّها؟، وإذا كان الناس كلهم رائعين؛ فكيف سنتعلم الصبر، والحكمة، والرحمة، والتسامح، والتعاون، والصدق، والأمانة، والإخلاص، والتفاني، والسعي، وباقي الخصال الرائعة التي نحب أن نراها في الآخرين ونكون نحن عليها كذلك؟!.
بلا شك أن سلوك البشر مختلفة تماماً، ولا يمكن أن تتشابه معنا في كل سلوك، ولكنها بالنسبة لنا هي الدواء الذي نحتاجه في رحلة حياتنا لتحسين صفاتنا وطبائعنا. فعلى سبيل المثال: لو صاحبت شخصًا سريع الانفعال؛ فإنه سيجعلك تنتبه لكلامه وألفاظه، وتراجع نفسك في اختيار ألفاظك قبل التلفظ بها للرد عليه، وهذا أمر طبيعيّ ينتج عنه نوع من الإدراك والوعي، وبذلك تكون قد اتصفت بفضيلة تميزك عنه، وربما تغير أيضاً من سلوكه هو في نفس الوقت.
وبالرغم من قساوة المواقف، ومنغصات الحياة التي تجعل أغلبنا قلوبهم ضيقة؛ فلا ينبغي أن نحكم على الآخرين بمجرد موقف عابر أو تصرف فردي، ونُدخل في قلوبنا أشخاصًا بصفات محددة مسبقًا وفق منهجنا الشخصي، فالله تعالى بواسع علمه جعل لكل شيء حكمة، ويريد أن يعلمنا كيف نستفيد من هذه الحياة، ونتشارك مع الآخرين، فلنوسع قلوبنا للناس؛ فنكون مصدر حب ووئام، ونتقبل بَعضُنَا بعضاً بروح الودّ والسلام، والتعايش بالمجاهدة مع النفس ضد سوء الظن، والغيرة، ونستلهم العبر من دروس الحياة لما هو خير لنا وللآخرين.
لهذا علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأن نحكِّم عقولنا، ونضع أنفسنا في مواقع الآخرين، وأن نتجنب فتح حوارات تكون سبباً في توتر العلاقات، والبعد عمّا يتسبب بأدنى ألم لهم، سواء بالتجريح بالكلام، أو الإساءة الفعلية، والقسوة بالتصرفات والأحكام، فالحياة مدرسة فلنعتبر.