النوم نعمة منسية
إلهام عوض عبدالله الشهراني
خلق الله عز وجل المخلوقات، وفضّل الإنسان على سائر مخلوقاته بعدة ميزات على رأسها العقل؛ وذلك ليميز بين طريق الهدى والضلال، والخير والشر، وجعل العبادات الفعلية كالصلاة والصيام، والقولية مثل: الأذكار تكمل بعضها بعضاً في صور من الإجلال والإبداع والكمال؛ لغاية تحقيق العبودية لله دون سواه.
جعل الله تعالى للعقل البشري محطات استراحة، ومنها: النوم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)} [النبأ]، وفيه أسرار جليلة تمكن العلم بفضل الله في معرفتها نحو قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}- [الإسراء].
إن الله خلق النوم لعباده لتهدأ الأجسام، وتخلد للراحة حتى لا تتضرر من استمرار الحركة واليقظة طيلة الأوقات، وخلق بجسم الإنسان غدد تعمل ليلاً.
إن الأبحاث العلمية ذكرت بالجسم هرمون الميلاتونين يفرز من الغدة الصنوبرية في الدماغ يسمى الساعة البيولوجية، يعطي إشارة بالنوم، ويعطي إشارة بالإستيقاظ.
الحكمة والنعمة الإلهية تظهر في صيغة أذان الفجر (الصلاة خير من النوم)؛ لأن ذلك الهرمون يغلق شرايين الجسم لإتمام الراحة، فإذا استمر الإنسان بالنوم ولم يستيقظ قد يحدث تدهور صحي بجسده مثل الجلطات.
كذلك من النعم الربانية التي لا تعدّ ولا تحصى أن وقت تنظيف الدماغ لنفسه من الترسبات، وتجديد الخلايا فيه عند النوم ليلاً فقط.
في ذات السياق؛ إن النوم على الشق الأيمن من الجسم فوائده لا تعد ولا تحصى، ووفقاً للطبيب الأمريكي “جون دوليارد”: “إن الشريان الأورطي الرئيسي الممتد من القلب نحو الجانب الأيسر من الجسم، حيث ينقل الدم للجسم كذلك يسهل عمل الجهاز المناعي اللمفاوي الذي له دور فعال في مكافحة الأمراض، وتجديد الخلايا المتدهورة، إضافة أن النوم على الجانب الأيمن يسهل عمل الطحال المسؤول عن تنقية الدم فهو يقع على الجانب الأيسر من الجسم”.
يعتبر النوم نعمة وعبادة وموعظة في آنٍ واحد، نشعر به نعمة عند الفرد السقيم الذي يتألم من الأوجاع، وعند من يخشى النوم خوفاً، وعند المكروب والمظلوم.
موعظة: حينما تسقط ورقة العمر فلا تعود الروح للجسد ولا يستيقظ النائم، وعندما ذكر نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فأرحمها وأن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
يعتبر النوم موت أصغر و مؤقت لقوله تعالى: {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلْأُخْرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ}[ الزمر آية (42)].
هذه دلالة على ألوهية الخالق يحيي ويميت خلقه إذا شاء ومتى يشاء عزّ وجل.
كما ورد في السنة المطهرة يجب على الفرد المسلم أن يحافظ على أذكار النوم، ويكون على وضوء لو قضى الله أجله مات على الفطرة.
كلما نام الإنسان وعادت الروح لجسده ينقص يوماً من عمره في الدنيا، أما في دار الحق أول منازل الآخرة، لا نوم ولا نعاس فالفرد بين كفتين أما نعيم دائم أو عذاب قائم.
أسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.