بعض البعثات الدراسية إلى أين؟؟
خميس بن محسن بن سالم البادي
بتشجيع من والديه وتوفيرهما له الجو المناسب ومتطلبات الدراسة يجتهد الإبن في تحصيل تعليمه طوال فترة مراحل دراسته من الصف الأول وما قد يكون سبقه من صفوف الروضة والتمهيدي إلى أن نال شهادة تعليم الدبلوم العام (الثانوية العامة)، حيث حصل على معدل جعله يحظى ببعثة خارجية على نفقة الدولة وكان حظه بابتعاثه إلى إحدى الجامعات في الخارج، فسارع فرحاً إلى إنهاء إجراءات سفره والتحاقه بالجامعة للدراسة هناك، ولا شك أن الكل يعلم معنى ابتعاث طالب بل هم كوكبة من الطلاب إلى الخارج للدراسة الجامعية من حيث النفقات المالية التي تتحملها الدولة والتي تشمل رسوم الدراسة وتذاكر السفر والإقامة والإعانة المالية الشهرية لكل منهم، وذلك طوال أعوام الدراسة التي تتفاوت ما بين أربع إلى عشر سنوات وفقاً لنوع التخصص لا سيما الطب البشري الذي تطول مدة دراسته، وبصرف النظر عن ترشيحه للتخصص من قبل الوزارة المعنية أو هو من اختيار المبتعث نفسه، فمؤكد هنا أن للوزارة الكلمة الفصل في اختيار التخصص طالما أنيط بها تحمل نفقات التعليم للطالب سواء في الداخل أو الخارج، وذلك بما يتفق ومتطلبات سوق العمل المحلية الذي تعيه الحكومة جيداً من حيث ما ستكون عليه الحاجة العلمية في ميادين العمل بعد سنوات دراسة ذلكم المبتعث؛ وذلك لأجل ابتعاثه لدراسة المجال الذي يحتاجه سوق العمل لدينا، ولو فرضنا أن الكلفة المالية في العام الواحد لكل طالب هو ما بين(عشرين إلى ثلاثين ألف ريال عماني) مضروباً في أربعة أعوام كأقل الأعوام للدراسة الجامعية، فإنه بذلك يكون الناتج ما بين(ثمانين إلى مائة وعشرين ألف ريال عماني)، هذا غير ما قد يحصل عليه المبتعث من أفراد أسرته كمصروف إضافي مساند.
أنهى اليوم ذلك الشاب دراسته بعد مضي السنوات المقررة للتخصص الذي درسه قضاها منكباً على صفحات كتبه المتعددة منهمكاً في نهل محتوياتها المختلفة ليعيد تفريغ ما اكتسبه منها غيباً وفق ما يُطلب إليه في قاعات الدراسة، فها هو قد تخرّج اليوم وبامتياز إضافة إلى ما تميّز به من الخلق والنهج القويم طوال تلكم المدة، حيث مثّل بذلك بلده خير تمثيل في بلاد النصارى الذين عرضوا عليه العمل لديهم في تخصصه الجامعي طبقاً لميزاته تلك والتي جعلته مطمعاً لديهم للإستفادة من نبوغه العلمي وقيمه الأخلاقية، ومن حسن حظه أنه لم يمانع حينها عرضهم الوظيفي والمغري أيضاً بالنسبة له كشاب جامعي تخرّج حديثاً، بل اعتذر منهم بلطف طالباً إليهم منحه مهلة للتفكير في عرضهم من جهة ومن أخرى بحجة رغبته في توجهه إلى بلده لقضاء بضعة شهور بين أهله وأقاربه وحال لسانه يقول،، كيف لي أن أخدم بلداً لا تمت لي بصلة وقد استباحت مالي ومال حكومة بلدي بدون شفقة ولا رحمة وأن بلادي أحق بخدمتي فيها والإسهام في تنميتها، فعاد إلى بلده مزهواً بما حققه من نجاحات وهو يحمل شهادته الجامعية وقد أنهى سنوات الغربة والدراسة، فجاء عائداً بهمة الشباب وعزيمة الرجال وكل أمله أن يرد الجميل إلى وطنه الذي احتضنه ورعاه منذ أن جعله الباري جلت قدرته نطفة في القرار المكين إلى اليوم الذي نال فيه شهادته هذه، حيث جدّ واجتهد وسهر الليالي حتى نال علا أهدافه وغاياته وكي يكون عند حسن ظن دولته ووالديه به، دولته التي ابتعثته لينال شهادته الجامعية على نفقتها المالية ووالديه اللذين سهرا لأجله ليالٍ طوال حتى أصبح إلى ما صار عليه اليوم.
عاد الشاب ليخدم بعلمه بلده ومجتمعه مؤملاً النفس بالوظيفة التي تنتظره سواء في القطاع العام أو الخاص وهو القادم محتضناً شهادته التي نالها من جامعة تلكم الدولة الغربية، جاء حتى يكون بديلاً عن وافداً يشغل منصباً في ميدانٍ ما من ميادين العمل المختلفة في البلاد بمقدور العماني أن يكون على رأس إدارة ذلكم المنصب أو مكاناً في القطاع العام هو بحاجة لتخصصه الذي درسه، لا سيما في ظل ما يثار بين الفينة والأخرى عن اكتشاف بعض الذين يعملون منهم بشهادات مضروبة في شركات خاصة هنا وهناك متقلدين مناصب قيادية، بلده الذي خصص له ذلك المبلغ المالي الذي كان يمكن أن يخصص لمشروعٍ تنمويٍّ في مكانٍ ما من أرجاء البلاد، ولكن اقتطع المبلغ لهذا الشاب كونه ابن البلد وله حق هو أيضاً في إكمال تعليمه الجامعي حتى تستمر به وأمثاله مسيرة البناء والتعمير لعُمان الغالية، حيث بسواعدهم الفتية وعطائهم المخلص وإنتاجهم الجاد والمستمر سينعم الجميع بخيرات المردود المالي الذي سيكون سبب إيراده أمثال هؤلاء الذين ابتعثتهم الدولة للدراسة على نفقتها الخاصة، والذين كانوا سبباً باستقطاع جزء مالي من خزانة الدولة لأجلهم وإيثارهم به على مصلحة وحساب مشاريع تنموية أخرى، حيث لا ضير من تأجيل بعض المشاريع قليلاً حتى نستفيد جميعاً من علم جيل الشباب المتوقد حيوية ونشاطاً وهمة وعزماً لتقديمهم بعد ذلك ما بوسعهم لخدمة عُمان وأهلها، ولكن الشاب اصطدم بالواقع الذي لم يكن في حسبانه حيث لا يوجد شاغراً وظيفياً لتخصصه العلمي وأن راهناً لن يستفيد من شهادته القادم بها من تلكم القارة البعيدة في شيء وقد لا تفيده هنا في بلده على المديين القريب والبعيد، وبذلك آثر العودة إلى بلاد الغربة مكرهاً ابننا لا بطلاً قابلاً عرضهم الوظيفي هناك، أضف إلى ذلك زمرةٌ من أمثاله الذين يقبعون في بيوتهم يناظر كل منهم شهادته الجامعية وقليل منهم من وجد شاغراً وظيفياً في غير تخصصه العلمي قبله مجبراً لسد حاجته المعيشية،، والسؤال الذي يضع نفسه أمام الملأ هو،، أين مكمن الخلل في ذلك حتى نعلّم شباباً ونصرف عليهم الأموال الطائلة في مجال علمي لا يحتاجه سوق العمل في السلطنة؟.
وهل رعاية الدولة لهذا الشاب خلال عقدين ونصف من الزمن تكون محصّلة الاستفادة من عطائه وإنتاجه العملي للغير؟ إذاً فمن المناسب جداً اتخاذ إجراءات حكومية منسقة بين جهتي التشغيل والتعليم العالي وحتى جهة التعليم الأساسي في الشأن المعرفي بسوق العمل المحلية بين الدفعات السنوية لطلاب الجامعات لتكون تخصصاتهم الدراسية متوافقة مع حاجة العمل المستقبلية في كافة محافظات السلطنة، بحيث بتخرجهم يكون سوق العمل جاذباً لهم لوجود الفرص الوظيفية بما يتناسب مع حاجة الساحة العملية والمهنية في البلاد وتخصصاتهم العلمية، عوضاً من أن نخدم الآخرين بمالنا وعقول أبنائنا الذين نهجّرهم طوعاً إلى بلدان لا ينتمون إليها بصلة، عدا أن تخصصهم العلمي الذي ارتضيناه لهم وخصصنا له المال المناسب لا يوجد إلا في تلكم البلدان، واجتناب تدريس التخصصات التي لا تخدم بلدنا بشيء.