2024
Adsense
مقالات صحفية

“هل ستفتح المساجد والحسينيات؟”

جابر حسين العماني

جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com

يستعدّ العالم الإسلامي لاستقبال شهر رمضان المبارك على غير عادته في كلّ عام، فهو ما زال يواجه حروباً نفسية شرِسة في مواجهة فيروس كورونا الذي باتَ يهدد العالم بمزيدٍ من الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، ومع وجود التقدم العلميّ الذي وصل إليه الإنسان، إلا أن البشرية أصبحت عاجزة أمام ذلك الفيروس الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة، والعِلم ما زال إلى هذه اللحظة لم يستطع الكشف عن اللقاح المضمون 100٪ في مواجهة الفيروس القاتل الذي أرهق البلاد والعباد، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
ما هي إلا أيام ويستقبل العالم الإسلامي شهر رمضان المبارك؛ الذي يحتشد فيه الناس في المساجد وقاعات المحاضرات، لقراءة القرآن الكريم، وإقامة الصلوات جماعة، وزيارة الأرحام، وغيرها من البرامج الدينية والاجتماعية التي اعتاد الناس تكثيفها في شهر رمضان المبارك، فهو يمثل موسماً روحياً وثقافياً واجتماعياً يتميز عن بقية المواسم الأخرى.
يا تُرى هل سيعيش العالَم الإسلامي تلك الأجواء الرمضانية الجميلة، كما هو الحال في الأعوام السابقة؟ وهل ستُفتح المساجد والمآتم وقاعات المحاضرات والدروس الدينية والأخلاقية في أنحاء البلاد؟
لينهل الجميع من علوم القرآن وأخلاق النبي صلى الله عليه وآله سلم وأهل بيته وأصحابه الأجلّاء الكرام، أم ستبقى الأمة تعيش الكثير من الحروب النفسية في مواجهة فيروس كورونا وتُحرم من تلك النفحات المباركة في شهر رمضان المبارك؟
إنّ ما تتمناه الشعوب الإسلامية في هذه المرحلة هو: فتح دُور العبادة والحسينيات وقاعات الدروس والمحاضرات كما هو حال بعض الدول الإسلامية التي فتحت مساجدها وحسينياتها وقاعات محاضراتها، بشرط الالتزام بالمعايير الصحية والاحترازية، خصوصاً وإن المجتمع اليوم أصبح واعياً بأهمية تلك المعايير الصحية وكيفية التعامل معها، فلماذا الإغلاق؟
ولا يختلف اثنان أن هناك واجباً شرعياً واجتماعياً ووطنياً على كل فردٍ من أبناء المجتمع، وهو أن لا يسمح المواطن لفيروس كوفيد 19 بالوصول إليه، كما يجب عليه أن يسعى جاهداً لحماية نفسه وأسرته ومجتمعه من انتشار الفيروس، وذلك بتطبيق ما نصّ وأكّد عليه خبراء الصحة العالمية من تطبيق التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي وغيرها من الموارد الاحترازية المطلوبة من المواطن على أرض الوطن العزيز.
إن الاهتمام بالإجراءات الاحترازية والتقيد بها هي من أهم الموارد التي ينبغي الالتفات إليها بعنايةٍ فائقة في هذه المرحلة، وقد قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هنا هي امتناع الإنسان عن الأكل والشرب في شهر رمضان المبارك من غير أن تكون عليه رقابة من أحد، بل عليه أن يكون رقيباً على نفسه، والصورة نفسها يجب أن يستحضرها الإنسان كذلك في تطبيق الموارد الاحترازية والصحية في مواجهة فيروس كورونا، سواءً كان ذلك في شهر رمضان أم في غيره من الشهور.
لذا ينبغي على الإنسان أن يتقي الله في نفسه، ويهتم بتطبيق الموارد الاحترازية بحذافيرها، وأن يلزم نفسه وأسرته بتطبيقها، وعدم انتظار التوجيهات حتى تأتي من الحكومات أو اللجان المتخصصة بذلك، فما أجمل أن يكون الإنسان واعياً مدركاً بما يحدث حوله من مخاطر لكي يستطيع مواجهتها والانتصار عليها بالوعي والفهم والإدراك.
إن المطلوب من الجميع اليوم هو الارتقاء بالنفْس وذلك من خلال التثقيف الذاتي، وسدّ النواقص التي قصّر فيها الإنسان، والعمل بجدّ على إصلاح ما تمّ إفساده، وذلك من خلال استغلال شهر رمضان المبارك بالتدبّر في آيات الله تعالى، وتطبيق ما جاء فيها، والتركيز على قراءة الأدعيَة المأثورة الواردة عن النبي الأكرم وأهل بيته الكرام، والتي في حدّ ذاتها هي مدرسة عظيمة ذات قيمة إنسانية عظيمة في فنون الأخلاق والعبادة والخضوع والخشوع لله تعالى، كالاهتمام بالمواظبة على قراءة دعاء الافتتاح في ليالي شهر رمضان المبارك، وقراءة أدعية الشهر الفضيل، ومناجاة الله تعالى، وقراءة دعاء كميل في ليالي الجمعة، ذلك الدعاء العظيم الذي علّمه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لتلميذه كميل بن زياد رضوان الله عليه، والذي فيه الكثير من المضامين الروحية والأخلاقية والعبادية الجميلة التي تؤنس النفس وتريحها.
روي عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال لكميل بن زياد: (إِذَا حَفِظْتَ هَذَا اَلدُّعَاءَ [أي: دعاء كميل] فَادْعُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، أَوْ فِي اَلشَّهْرِ مَرَّةً، أَوْ فِي اَلسَّنَةِ مَرَّةً، أَوْ فِي عُمُرِكَ مَرَّةً، تُكْفَ وَتُنْصَرْ وَتُرْزَقْ، وَلَنْ تُعْدَمَ اَلْمَغْفِرَةِ).
إن من الواجبات الضرورية المُلقاة على عاتق المربّين في الداخل الاجتماعي، كالأسرة والمدرسة والجامعة، هي توجيه وتشجيع وتحفيز الأبناء على بناء النفس وإصلاحها، والحثّ على أهمية عبادة الخالق سبحانه وتعالى، وذلك باستغلال المنصات الإلكترونية في زمن كورونا، خصوصاً في شهر رمضان المبارك، وذلك بمتابعة المحاضرات الدينية والأخلاقية، والتركيز على متابعة الحوارات الثقافية والتربوية والاجتماعية التي تبثّ من المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية المهتمّة بنشر القيَم والمبادئ الدينية والأخلاقية، والفكرية الواعية التي حثّ عليها الإسلام العظيم.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights