قسوة الأحفاد …
اسماء الغبر
جدي جدتي هما مداد خير لوالديَ، فجدي والد أبي هو عقد يطابق اسمي بعد والدي، ولن يمّحي حتى بعد مماتي، فله تقديري وكل احترامي، بل هو دعائي الذي لا ينقطع أبداً، أمّا جدي لأمي فهو الروح الطيبة، التي ينثر عبيرها في قلبي وروحي وحياتي، فهو ركن الحنان والرحمة من والدتي الحبيبة، وجدتي لأبي هي أم أمي قبل أن تكون أم أبي، وأنا قد ترعرعتُ في حضنها، وتربيت بين يديها، وأسعدُ برؤيتها كل يوم، وأبتهج بصلواتها الزكية العطرة حين يعلو صوتها كل فجر، مهللًا بالشهادتين، وراجياً يومًا مباركاً سعيداً، وأم أمي هي بلسم الجرح، والسلاح المتين، والهروب الآمن، والمنقذ القوي من إزعاجي لأمي، أو حتى أبي أحياناً، فعند مشاكستي وإلحاحي في طلب شيءٍ ما ويتم الرفض من أميرة الرأفة أمي ألوذ بكل ثقة، وألجأ إلى ملكة الكلمة المسموعة، والدفاع العطوف، ألا وهي جدتي، فأحصل على ما أريد إن كان في صالحي.
هؤلاء هم أجدادي وأجدادكم، هم من يبلغ الكِبر قبل والدينا، هم من لا نقول لهم أفٍ ولا ننهرهما، هم سراج بيوتنا إن بقوا، وجنة دعائنا إن رحلوا، فمن أضلعهم نُعِمنا بوجود والدينا، ومن صحتهم كبروا وعاشوا العيشة الهنيّة، والحياة السعيدة كما نعيش نحن الآن، ومن سهرهم ومتابعتهم وجدنا آباءنا معلمين وأطباء ومهندسين وقضاة، ووجدنا أمهاتنا شامخات قويات عاقلات، عملن في كل المجالات الحياتية بكل همة ونشاط وعطاء.
أجدادنا وجداتنا هم النبتة الأولى في وجودنا في الحياة، أعطوا وساعدوا، ونصحوا وأرشدوا، فلهم فضل لا يُنسى، ولمسات روحية لن يخفيها الزمن من ذاكرتنا أبدا.
نحبهم ونقدسهم لأنهم أغلى من الولد(ولد الولد)، فسبحان الذي جعل هذه المحبة في صدورهم، وتوجها بالبر لهم، والعطف عليهم.
وفي قصص هذه الحياة مآسٍ كثيرة من قسوة الأحفاد وغرورهم، وكبريائهم المغفل ضد أجدادهم، فكم من بيوت تخفي شروخًا في علاقة الأجداد بالأحفاد، أو العكس، إلا أنني أود أن أقف على قسوة الأحفاد بالأجداد، ما هي المشكلة في عقولكم أيها الاحفاد الصارمين؟ وما هي المرجعية في أذهانكم؟ تهجرون من أنتم؟ وتصدون عن من؟!! أحين قوت عضلاتكم استقويتم على من علمكم اكتساب القوة؟ أحين علت مراتبكم سجنتم أربابكم وأرباب من علمكم وزجرتم بهم في كهوف غروركم فكنتم من الخاسرين، الذين خسروا فضل وجود النعمة؟ أنتم جهلاء ولكن لا تعلمون، بحق رب السماء من الذي ربى من رباكم؟ ومن الذي أوصى بكم خيرا؟
منكم من يتعلل بقسوة والده في تكريس الكره والبغض فيكم لأهله، ومنكم من ابتلي بأهل عاقين لا يخافون الله في أبائهم، وكنتم لهم تَبَعا؟ ومنكم أصحاب العقول الفارغة التي اقتصرت زيارتهم على من يحبون ويريدون فقط، دون النظر إلى عظمة صلة الرحم عند الله تعالى، ومنكم من غوته الدنيا وملذاتها فشغلته، فاتبع هواه، وكان أمره فرطاً .. آباؤكم وأمهاتكم، أجدادكم وجداتكم، هم السلام على الصراط، هم الفوز بالجنة، هم الفضل والرزق المهدى لكم في الدنيا؛ لتنالوا الثواب والأجر في الآخرة.
ما بالكم أيها المسرفون في قطيعة أرحامكم؟ إلى متى في غمرتكم تعمهون؟ عجبي وعجبٌ وعجباه حين يكون للفرد جدٌ وجدة باقيين على قيد الحياة، وهو في عمر الخمسين، فلا يزورهما ولا يسأل عنهما، تغشى عيناه الصحة والعافية وينسى أن للعمر كهالة وشيخوخة وسقماً ومرضاً، وأن مثل ما تدين تدان.
يا لتلك القسوة التي تحملها قلوبكم! يا لضعف إيمانكم، وإجرام تصرفاتكم، أفي هؤلاء تقسون وهم من ينتظر يومهم الذي فيه يرحلون إلى رب أرحم بهم منكم؟
ما أروع الأجداد بكل مسمياتهم المختلفة، في شتى بقاع الأرض، فهم (أبّاه وأمّاه وحبوه وحبابوه وديده ويدوه وأمي العودة وابويه العود) هم الكنوز النادرة إن لحقنا عليهم في أوساط أعمارنا، ومصابيح رحلت وبقى بريقها في كل مكان ..
رب أكرم من رحل منهم، برحمتك وحنانك واشفي من بقي منهم، وانظر إليهم بعينك التي لا تنام يا أرحم الراحمين.