إذا كانت الحياة مشكلة فعِش عظَمة حلّها
علي بن مبارك اليعربي
خلق الله تعالى الإنسان وأوجده في هذه الحياة وتزامن مع خلقه ظهور مشكلة، وهذا هو تدبير الخالق للخلق حين رفض إبليس السجود لأبي البشرية سيدنا آدم -عليه السلام- في قوله تعالى بمحكم التنزيل:
“وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ”. البقرة الآية (34)
وليس هذا فحسب بل تجسدت في هذه الواقعة كل المشاكل التي تعاني منها البشرية منذ تلك اللحظة إلى يومنا هذا.
فعصيان إبليس أمر ربه رادّاً على السؤال الاستنكاري منه جلّ جلاله في قوله تعالى: “قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طين”، [١] لم يكن ذلك الردّ إلا نِتاج الكِبر الذي يُعتبر من أعظم المشكلات السلوكية في حياتنا.
رغم أن السجود لآدم عليه السلام لم يكن إلا سجود تحيةٍ وإجلال وتقدير وإكرام لآدم، وليس سجود عبادة؛ حيث إنه لا معبود إلا الله – سبحانه وتعالى-، ومنذ ذلك اليوم أصبح التكبر والغرور مشكلة بني البشر على مرّ العصور وورقةً رابحة بيد إبليس اللعين، من تخلّص منها وتجنب التفكير بها ونزعها من قلبه عاش عظمة الماضي والحاضر وأوصل دنياه بآخرته.
كما رُوي في الحديث الشريف قال عبد الله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق وغمْط الناس. [1]، رواه مسلم .
كما أظهرت هذه الحادثة سِمة الحسد والحقد والضغينة في إبليس التي أبرزها رفضه السجود لآدم واعتقاده بأنه الأفضل مكانةً عند الله خلقاً وأنّ ما تلقّاه من أمر السجود لا يستحقه آدم -عليه السلام – بقدر استحقاقه هو لذلك، لتمايزه بمادة الصنع والخلق – حسب فهمه- من خلال علوّ النار ودناءة الطين.
وبعد ما أدرك إبليس خطأه مع خالقه وأنه مغضوبٌ عليه إلى يوم الدين طلب منه أن يبقيه إلى يوم القيامة كما يروي لنا القرآن الكريم: في قوله تعالى {قال أنظرني الى يوم يبعثون} الأعراف 14.
لأنه أراد أن يغرس تلك السمات في نفوس ذرية آدم انتقاماً منه لأنه كان سبب وقوعه في ذلك الخطأ – في ظنه – بعد أن كان مقرباً من الله قبل ذلك.
ورغم أنه مطرود من رحمة الله تعالى إلا أن الله استجاب لطلبه في قوله تعالى: “قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم” الحجر الآية (37).
لأن الله سبحانه وتعالى أراد لبعض خلقه أن يأتوه حباً ورغبة واختار منهم الإنس والجن ليأتوه عن حُب ورغبة. وذلك مصداقاً لقوله جلّ جلاله: “وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ” آل عمران.
خلاصة القول إن الحياة عبارة عن مشاكل وحلول حيث إن هناك تلازماً بينهما فكما يقال لكل مشكلة حلّ ومع ذلك تعترضه مشكلة حيث إن الحياة بلا مشاكل مملة رتيبة فالحياة ملحها المشاكل وحلاوتها هزيمتها والتغلب عليها.
والقوي حقاً هو من لا يقف عند المشكلة بل يقف عليها ويبحث عن حلٍّ لها ويتجاوزها، فالحياة مستمرة لا تتوقف إلا مع قيام الساعة.
وقد ترد على أذهان البعض عدة أسئلة وحوارات مع التفس والآخرين وهذا ما شغَل الفلاسفة والمنظّرين وعلماء النفس وهي لماذا نعيش؟ وكيف نعيش؟ وهل للحياة معنىً؟ وهل تستحق الحياة أن تعاش؟ وهذا سرّ وجودنا وهو إعمار الأرض من خلال (مناشط الحياة الثلاث) وهي فكر – فعل- وقول، تصلنا إلى (مباهج الحياة) وهي الحب، اللعب، والضحك تبعدنا عنها (مخاوف الحياة) وهو الفشل.
وهذا أمر لا بدّ منه، ما علينا إلا المحاولة والخطأ وعدم اليأس فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة.
لذلك أقول لك عزيزي إذا كانت الحياة مشكلة فعِش عظمة حلها، ولن يتأتى لك ذلك إلا إذا أدركتَ عظَمة خلقك ومادة صنعك، فالطين فيه كما يقال الرزانة والحِلم والأنأة والنمو، ففطرتك تلك تمكنك من تجاوز كل المشكلات التي تعترضك، ما عليك سوى الاعتماد على مكوناتك الفطرية التي تحمل في طياتها معاني الحياة وسعادتها حينها ستكون سعيداً وعظيماً بها ولا تركن لوسوسة الشيطان فيفسد عليك سعادة الدارين وعظمة هذه الحياة قبل الآخرة فلا تقترن بالشيطان فهو فاسدٌ في نفسه حسب طبيعة خلقه من نار، فباطنه الطيش والخفة والسرعة والإحراق فتجنبه – بارك الله فيك – واسعَ إلى ما خُلقت من أجله وهو إعمار الأرض والحفاظ عليها و نيل سعادة الدنيا والآخرة.
وتذكر دائماً بأن الحياة مشكلة فإما أن تهزمك أو تجعل منك شخصاً عظيماً فالأمر متوقفٌ عليك.