2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

الديون الشخصية وباء مجتمعي

هلال بن حميد المقبالي

تعتبر الديون الشخصية هاجسٌ مؤلم، يؤرق كل من سلك هذا الطريق،  وكما قيل ” الدين ذلٌ بالنهار و همٌ بالليل”، وقد زادت نسبة الديون الشخصية بين الجميع، وأصبح الاقتراض حالياً أسهل مما كان بعد أن ألغت البنوك نظام الكفيل.
الجميع منا يرغب بالرفاهية -ولو كانت بسيطة- في ظل الترف القائم في أغلب المجتمعات العمانية، والتجمعات السكانية، فالمواطن عندما يحصل على وظيفة ما وبعد انتظارها فترة من الزمن هو في ضيق من الفسحة، يفكر أولاً أن يكون عنده وسيلة نقل تقله ذهاباً وإياباً لمقر عمله، ولا يأتي ذلك إلا من خلال الاقتراض أو التمويل وكلاهما دين، وما أبسط وأسهل أن يكتب ما يريد من مال، معتقداً بذلك أنه سيحل ولو جزءًا بسيطا من مشاكله المادية، و الأسهل من ذلك هو إنفاق هذا المبلغ في غضون أيام قلائل، أو ساعات إذا كان في عجلة من الأمر، وبالرغم  من درايته ومعرفته ببلاء الديون،  وتحذير من سبقوه، ولكنه يقدم على هذه الخطوة، قائلًا في نفسه الكل مقترض، ليكتشف بعد مرور فترة من الزمن أن المبلغ لم ينقص منه شيء، و يرجع ذلك إلى أن البنك ما زال يستقطع الفائدة فقط، ولم يصل بعد لمقدار القسط  المستنفذ من القرض، وهنا تبدأ الحسرة والندم، و يدخل في دوامة بدون توقف، بل ونهايتها دون راحة في الحياة و لا في الممات، فمن المعروف أن “صاحب الدين لا تصعد روحه إلى السماء، فتظل معلقة بين السماء والأرض حتى يوفي دينه”.
يرجح الكثير من رجال الاقتصاد أن من الأسباب التي تجعل الأشخاص يتجهون إلى البنوك والاقتراض هو قلة الدخل، والمصاعب المادية غير المحسوبة وغير المخطط لها، وكلها أمور تدخل في مباهج الحياة الزائفة، مثلاً كشراء سيارة، والزواج ومصاريفه، والسفر والترفيه، ويلحق ذلك التفكير في شراء أو بناء منزل، والشروع في مشاريع قد لا يكتب لها النجاح بطريقة أو بأخرى، وهناك الكثير من المسببات، وكل هذه المطالب المادية يغطيها الشخص من الاقتراض البنكي، وكلها ديون ربوية، فمن المعروف أن البنوك التي تمنح قروض شخصية هي بنوك ربوية بحتة، وهي محرمة شرعًا، لا جدال في ذلك،  حيث ذكر الله تحريم الربا في الآيات (275 – 279) من سورة البقرة، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}-الآية 276‪ سورة البقرة، ولو انتظر قليلاً ورتب أوضاعه المالية لسلم من كل ذلك. إن الآثار المترتبة على تراكم  الديون الشخصية كثيرة سواءً على الشخص نفسه أو أسرته، و تمتد آثار هذا الدين إلى حياته المجتمعية، ومن بين هذه الآثار وأهمها الخروج عن طاعة الله، و هي الأساس في باقي الآثار المترتبة على الديون، مثل عدم البركة في المال و المشاكل الأسرية التي قد تصل إلى  الطلاق وتفكك الأسرة، لصعوبة تحمل المصاريف وعدم الصبر من الطرف الآخر، و تأخير شيكات الدفع والديون المترتبة من المشاريع التجارية و الاستثمارات غير الناجحة، ومطالبة شركات التمويل بالمبالغ، ويؤدي ذلك تدهور الوضع المالي، مما يضطر الدائن الذهاب إلى إلتماس القضاء وتقديم دعوى قضائية طلباً للحكم القضائي و دخول المدين على فرضية الحكم بالسجن لا قدر الله إذا لم يسدد قسط المبالغ المترتبة و المتراكمة عليه، و من جراء ذلك الحكم ربما يفقد المدين وظيفته التي يقتات منها، مما يؤدي ذلك إلى  التسول ومد يده إلى الناس ويطلب العون والمساعدة، وربما يصل الأمر إلى السرقة لتوفير مصروفه ولقمة عيشه، كل هذه الآثار لها تبعيتها للاسرة والمجتمع، حيث يجعل الناس تحتاط وتخاف منه، لأنه يصبح مصدر شبهة في المجتمع وخاصة عندما تتم أي سرقة وﻻ يعرف مرتكبها. الاقتراض عبء كبير و وباء مجتمعي متفشٍ يوقع الفرد فريسة للأعباء المالية، فهو بداية لنهاية مأساوية تصل إلى تشتت الأسرة، لذا يجب أن يكون الاقتراض هو آخر البدائل المطروحة لحل مشكلة أو الخروج من مأزق الاقتراض المالي، أو يكون ذلك من خلال التريث والانتظار وعدم الأنسياق إلى مباهج الحياة الزائفة، ويحاول الادخار الشهري من الدخل، والدخول في جمعيات مجتمعية أو أهلية، وأضافة نشاط أو عمل إضافي، مثل امتلاك سيارة أجرة أو سيارة تعليم سياقة أو صهريج مياه، وغيرها من المهن التي يستطيع ممارستها في أوقات فراغه و تساعده في رفد سيولته المادية مع الراتب، وبالتالي تساعد في تدبر مصاريفه اليومية والطارئة، والأهم من كل ذلك هو الابتعاد عن تقليد الآخرين والنظر إلى مستواهم المعيشي والترفيهي، فهم لهم إمكاناتهم وتعايشوا معها. إن المتتبع لموضوع الديون الشخصية يجد الكثير من القضايا في أجندة المحاكم، وزادت هذه القضايا في فترة أزمة جائحة كرونا (كوفيد 19) و ما صاحبها من ركود اقتصادي عالمي ومحلي، وتعثر بعض الشركات جعلها تقلص عدد العاملين بها وتسريحهم عن العمل فنتج عن هذا الوضع تفاقم المشكلة، و تراكم ديون القروض الشخصية على المدين، ومطالبة البنوك لهم بسداد المبالغ المالية، أو تقديم شكوى قضائية ضدهم، فيصبح المدين بين سندان البنوك ومطرقة القضاء. تأتي مبادرة فك كربة التي تبنتها جمعية المحامين العمانيين للعمل على دفع ديون بعض المعسرين وفك حبسهم، والتقليل من حدة  تفاقم و تراكم الديون الشخصية على المعسرين، وأصحاب المهن المتوقفة عن الإنتاجية ، و هذه مبادرة محمودة، تعبر عن تكاتف وطني إنساني لحل الديون الشخصية بقدر الإمكان والمستطاع، و لكنها تحتاج إلى دعم مالي من الجميع لتستمر في عطائها وتقديم عونها، “والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه” . إن من المناشدات التي يطالب بها الشعب كثيرة لإلغاء الديون كافة الشخصية أو تقليصها، أو أقلها تخفيض نسبة الفائدة الربحية، فقد تعب الجميع من هذا البلاء المجتمعي، الذي أكل الجهد والعمر والراحة، وأوجد القلق والهم والندم. وخطوة إلغاء الديون ربما تكون صعبة على جهة معينة، ولكن إذا وجد التكاتف من الجميع من مؤسسات وأفراد، وتخصيص صندوق مستقل لهذا الغرض ويدير هذا الصندوق أيدي أمينه، ومن يثق بهم الشعب، و تكون هناك توعية إعلامية وتشجيع من الحكومة وحث المقتدرين المساهمة في هذا الصندوق ولو بريال عُماني واحد شهريًا لتخطينا هذا الوباء الذي يفتك بالبناء الأسري والمجتمعي.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights