نساء في ذاكرة النسيان
منى المعمرية
لا أعلم لأيّ صدىً سيصل صوتي…،،
لا أعلم لأيّ ضمائر أوجّه ندائي…،،
لا أعلم لأيّ مدىً ستَلقى صرختي استغاثة، وآذاناً تسمع …
في زمنٍ أحسَب أن الضمائر باتت مستترة ونائمة لحدّ السُّبات.
اِستغاثتي كإمرأة تعني الكثير للنساء المظلومات اللواتي أُهدِرت حقوقهنّ هنّ وأبناؤهنّ، الحقوق التي فرضها ربّ العِباد ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في تقسيم الواجبات لكلّ فردٍ مسؤولٍ عن رعيّته.
ووصايا رسولنا الكريم بالرّفق بالقوارير.
أين أنتم يا بعض أشباه الرجال من هذه الوَصايا؟
حين تُصادرون حقوق المرأة واضطهادها وسلب حياتها.
ولم تكتفوا بذلك لا، فقد رأيت الكثير والكثير من الحالات في مجتمعنا من تعنُّت الرجال، وتهميشهم لأبنائهم وسلب أهم حقوقهم وهي العطاء المادي.
أيها الرجل حين تمتنع عن الصرف على أولادك، إذن لماذا فكّرت بالزواج والإنجاب؟ لماذا تأتي بضحايا يحملون اسمك وترفض أن تعطيهم حقهم الشرعيّ في أن تكون مسؤولاً عن مصاريفهم.
أيها الرجل: تركت عطائكَ المعنوي
الذي يشمل:
1⃣ أن تكون قدوةً حسنة لهم.
2⃣ أن تؤدي أمانتك أمام الله في تأدية واجباتك تجاه أبنائك.
3⃣ إعطاء الحُب والحنان والاهتمام.
4⃣ الرعاية السليمة لتنشئ جيلاً معافى نفسياً وبدنياً.
لأنك لا تعي معنى أن تكون النفس مطمئنة بوجود أب يكون سنداً لأبنائه في كلّ وقتٍ وحين.
ندائي هذا نداء استغاثة لكثيرٍ من المطلّقات وبعض الأرامل لتخفيف وطأة الظلم الذي نتلقّاه من مجتمعٍ لا يراعي شرع الله، بل يراعي العادات والتقاليد البائسة التي أعطت بعض الرجال الصلاحية في سلب حقوق أقرب الناس إليهم وهم أبناؤهم بحجّة أنّ الرجل له الحقّ في التحكّم بحياة مَن حوله، وتحويل حياتهم إلى مأساةٍ وكارثة، حتى أصبح الرجل مستبداً وطاغيةً ذو جبَروت، وفاقَ حدود الطّغاة على الأرض.
أبٌ يتنصّل من مسؤولية التربية الصحيحة.
أبٌ يرفض الصرف على أبنائه وإعطائهم حقهم الماديّ ليعيشوا حياةً كريمةً دون الحاجة إلى شفقة الآخرين والتصدّق عليهم، والأب على قيد الحياة يستمتع بملذاته.
أبٌ مُتعنّت يسلب حقوقهم المعنوية والمادية التي فرضها الله عليه كأب.
الكارثة الكبرى جهلنا نحن النساء ببعض القوانين لنيل حقوقنا كمطلقات، حتى لو خلعنا الرجل فإننا نفقد الكثير وتكون النصرة والغلبة للرجل، والأمر الأدهى أنني وبعد تجربتي في رفع قضية على طليقي ليزيد من مصروف أبنائه لأنني أُعيلهم من راتبي الذي أتقاضاه من الضمان الاجتماعي، ولجأتُ لفتح مشروعي البسيط في البيت لسداد مصروفات أولادي ليعيشوا بكرامة.
أتفاجأ بطامّةٍ كبرى أن القاضي
يوجّه له سؤالاً صادماً نزل عليّ كالصاعقة:
هل ستزيد أولادك هل تقدر يا فلان على ذلك؟
ألم يكن الأصحّ أن يقول القاضي لهذا الأب الذي تنصّل من ضمير الإنسانية:
لماذا تمتنع عن زيادة أولادك؟
لماذا لا تتحمل مسؤولية أبناءٍ أتيتَ بهم إلى هذه الدنيا وهُم لا حول لهم ولا قوة؟
خرجتُ وأنا مثقلة بالهموم وزادتني أحكامهم التي كأنها صِيغت ليزداد بعض الرجال استبداداً وظلماً وحزناً فوق حزني، خرجتُ وأقدامي لا تحملني من هَول ما رأيت من قضايا لم ولن تُنصف المرأة في نيل أبسط حقوقها في أن تعيش هيي وأولادها بكرامة.
رأيتُ نفسي كالغريب في وطنه.
رأيت نفسي كالذي يغرق في بحرٍ من الأحزان بعد أن أثقَلت الحياة كاهلي.
يجب أن أعيشها بكفاحٍ حتى ولو كنت أمرّ بظروفٍ نفسيٍة وجسدية.
فقد أُنهِكت أجسادنا نحن النساء لكثرة الضغوطات والظلم الذي نعانيه، أي أحكامٍ هذه التي تحكم عليّ كامرأة لا أعمل، ليس عندي وظيفة، ولا أحمل شهادات أصلاً لكي أعمل في أن أتحمل أنا وغيري من النساء الصرف على أولادي، أريد من القضاة أن يراجعوا أنفسهم، وأريد كل من وضعوا هذه الأحكام أن يعيدوا النّظر بها حتى لا تتوالى عليكم دعوة المظلومات.
لا أعلم هل أخاطب ضمائركم التي حسبتها قد غفت على وسادة النسيان لحقوقنا كنساء؟
أم أخاطب عقولكم التي حسبتها تعالت علينا كنساء؟
أودّ تذكيركم أنكم تربيتم ونشأتم في أحضان امرأة، وكبرتم بفضل الله ثمّ بفضل النساء، فوالله لو أجريَتْ بحوث ودراسات، فستكتشفون قصص نساء أنشأنَ أجيالاً وأقمن بيوتاً بكفاحهنّ وصبرهنّ، كلّ امرأة منهنّ بمئة رجل، وأفضل من كثيرٍ من الرجال.
لم تسعفني الكلمات في التعبير عن معاناتي لأن الكلمات تاهت مني في زحام الحياة، ومشقتها.
صرختي هذه تمثّل كثيراً من النساء في مجتمعنا المضطهدات اللواتي يعانين الكثير والكثير من ويلات بعض الرجال الذين سلبوا حقوقنا باسم الرجولة المزيّفة والغرور والعنجهية التي أصابتهم بسبب إسقاط المجتمع عنهم أمانة التكليف وتحمّل المسؤولية.
فالرجل أباح له مجتمعنا وغفر له الخيانة، وتغاضى عن تقصيره في حقّ زوجته، تغاضى عن تقصيره في حقّ أبنائه، تغاضى عن تقصيره في أداء واجباته كرجل تجاه من هو مسؤول عنهم أمام الله، أباح للرجل وأيده في تعدد الزوجات وسلب حضانة الأبناء في حالة زواج الأمّ، لم يعي أن ثمة رجال أحنّ على أولاد زوجاتهم من آبائهم، ولم يدركوا أن ثمة آباء يجب إعادة تأهيلهم ليكونوا آباء صالحين، ليعوا مسؤوليتهم تجاه أسَرهم.
هناك سؤال مهم دار في ذهني كثيراً:
* كيف لرجلٍ يقول أنه لا يستطيع الصرف على أولاده؟
أن يكون رجل مزواج متعدد الزيجات والطلاق يتزوج ويطلق، والأدهى أنه محتال لا يسجل زيجاته عند كاتب العدل.
في هذه الحالة كيف ستُثبت المرأة ذلك أمام المحكمة؟
إذا كان الرجل له مصدر دخل سرّي غير وظيفته كيف ستثبت المرأة ذلك؟
هناك تساؤلات عديدة جداً تدور في ذهني لا أجد لها إجابات للأسف، فهل من مغيث؟
فليس هناك حسيبٌ ولا رقيب على بعض الظّلَمة في المجتمع.
نسوا أن الله بيده وحده الغفران والسماح والحساب أيضً.
فربّ العباد مثل ما خلق للرجل القوامة لم يشرعها من فراغ، فشرعها لأجل أن يكون الرجل مصدر أمان وسند تستند عليه عائلته، لكن من يطبق شرع الله وأحكامه؟
إلا الذين خافوا الله واتقوه حق تقاته، فتحية تقدير لكلّ رجلٍ طبّق شرع الله وسنّة نبيه الكريم في أداء واجبه كرجلٍ تجاه أسرته.
وحسبي الله ونعم الوكيل على كل رجل سلب حقوق أسرته، وصادرها من أجل إشباع رغباته ونزواته التي لا تنتهي.
مقالي هذا لا أعلم لأيّ قلبٍ ولا لأي ضميرٍ سيصل ليلبّي استغاثتي في أخذ حقي من مستبدٍ سلَبنا أبسط الحقوق في العيش بكرامة.
صرخة أنثى تستنجد بضمائر، أتمنى أن أجد منها ولو العدد القليل من المؤيدين والمؤيدات .