الشبكة الإنسانية العنكبوتية (الحلقة الأولى)
الدكتور: طالب بن خليفة الهطالي
Talib.oman@hotmail.com
س: هل يمكن تحقيق الأهداف دون تدخل الطرف الآخر؟
س: ما الحكمة من ترابط مصالح البشر؟
س: ماذا يشكل الطرف الآخر في حياتنا؟
س: هل نجاحنا مرهون بالطرف الآخر؟ أو العكس؟
س: ما مدى اعتمادنا على الآخرين في تحقيق أهدافنا الحياتية؟
س: ماهي نقاط الإلتقاء والتفرفة بين البشر ضمن الشبكة الإنسانية العنكبوتية؟
س: هل يمكن الاعتماد على النفس في المصالح الحياتية دون الحصول على الدعم من الطرف الآخر ؟
يعيش البشر على هذه الأرض في بقاع متفرقة منها، مختلفين في ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم ولكن تجمعهم قواسم مشتركة تكون تبعاً لنوع العلاقة، إما رابطة الدين أو الحيز الجغرافي أو العادات والتقاليد ويمكن أن تكون علاقة عمل وغيرها من الأسباب التي تبني قواسم مشتركة بينهم سواء كانت العلاقة طويلة الأمد أو محدودة بفترة زمنية معينة أو بانتهاء عمل معين ، إلخ….، قال الله تعالى: ﴿يا أيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [القرآن: الحجرات. 13] . فهي علاقات أشبه بالشبكة العنكبوتية تربط نقاط الإلتقاء وجسور بين البشر لتحقيق منافع مختلفة؛ إنها الديمومة الكونية التي يمر بها الإنسان التي أوجدها الخالق سبحانه وتعالى وجعلها سنة ومبدأ وأساس بين خلقه.
ويعدّ تحقيق النجاح في الحياة طموح يراود كلَّ فرد مهما كان عمره أو مستواه العلمي أو الوظيفي أو الاجتماعي أو المالي، لأن ذلك يُشعِرُه بالفخر وبقيمة الحياة ويحقق احترام الذات؛ فهو يزرع الثقة في قلوب الآخرين ويعزز من قدراتهم وكفاءتهم، لذلك فإن طريق النجاج ليس سهلاً كما يتصوره البعض، فهو طريق لا يستطيع تطويع صعوباته إلا الطموح المجدّ المجتهد، ولذلك يلزم الفرد وضع هدف واضح لحياته ويجدّ الخطى للوصول إليه، ويضع آلية معينة لتحقيقه، فمشوار الألف ميل يبدء بخطوة وطريق النجاح محفوف بالصعاب والعقبات وليس كما يتوقعه المتكاسلون طريقاً سهلاً ممهداً محفوفاً بالورود الفواحة وكما قال الشاعر:
لا تحسبنّ المجد تمراً أنت آكله: لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرا.
إن لكل شيء في هذه الحياة هدف معين يسعى لتحقيقه، والإنسان بدون هدف كالسفينة في البحر تجدها تائهة تجرها الرياح حيث شاءت، فلا نكن كالإمّعة تجرنا التيارات لا نعلم أين نيسر، فقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لهدف سامٍ ومعلوم: ﴿وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون﴾ [القرآن: الذاريات. 56] وأمره بالسعي في الأرض ليعمرها قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [القرآن: التوبة: 105]، وبما أن الإنسان مأمور أن يسعى في الأرض ليعمرها ويحقق مبدأ المنفعة لنفسه وللآخرين الذي لا يكتمل سيره الحياتي إلا بهم، فحيث تكمن منفعة الآخر هناك منفعتي، فلابد من وجود الدافع لننطلق من أجل تحقيق أهدافنا فكما يقول “Anthony Robbins” “أنه لابدّ أن يكون لديك ما يدفعك لتنهض من فراشك، إن أهم شيء هو أن يكون لك هدف ووجهة تتجه نحوها”
وهنا يتبادر للأذهان سؤال: كيف نستطيع تحقيق أهدافنا؟
وللإجابة على هذا السؤال يجب على الإنسان أن يعرف ميوله منذ الصفوف النظامية(1) والتي يبني عليها تحديد هدفه بوضوح، يليه وضع خطة وبرنامج زمني وآلية معينة لتحقيق ذلك، والقاعدة التي ينطلق منها هي: من أنت؟ وإلى أن تريد أن تصل؟ ومتى؟ وقبل ذلك أين أنت الآن؟ كل هذه الأسئلة ضرورية في بناء الخطط وتحقيق الأهداف، فهو على مفترق طرق إما المثابرة والنجاح أو التكاسل والهزيمة، ففاقد الهدف فاقد الإرادة فالإنسان الناجح فاعل مؤثر في مجتمعه ولا يمكنه الاستغناء عن الدعم من المحيط الذي يعيش فيه سواء المحيط الاجتماعي كالمنزل والبيئة التي يعيش فيها أو المحيط العلمي (المدرسة، الجامعة) أوالمحيط العملي والمقصود به بيئة العمل، فالإنسان ضعيف بنفسه وقوي بأخيه، ولنا في الطير حكمة في ذلك فالطيور المهاجرة وقت الصيف تجدها تتخذ في طيرانها الرقم سبعة، فقد أثبتت الأبحاث أن السبب الذي يجعل الطيور تتخذ من طيرانها الرقم سبعة هو أنه عندما يضرب بجناحيه فإنه يعطي للطائر الذي خلفه رفعة وعلى هذا فإن المسافة التي يقطعها السرب تقدر أسرع بــــ 71% عن الطائر الذي يطير بمفرده، وهذا يقودنا أنه لا يمكن بحال الاستغناء عن الآخرين والاعتداد بالنفس، قال رسول الله ﷺ: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا))(2) فالإنسان كالبنيان المرصوص لا يمكنه الاستقلال بنفسه إذ لا تتحقق مصالحه إلا من خلال الدعم من أقرانه وزملائه والمعاضدة بينهم، فإذا تعذّر ذلك وانشغل كل منهم بنفسه فهذه إشارة إلى ضعفهم وتفككهم، ولهذا فإن الفرد ضعيف بنفسه قوي بإخوانه.
وينظر للعلاقات الإنسانية على أنها ذلك التداخل الذي يكون بين الأفراد في مختلف المجالات الإجتماعية والأسرية والعملية وغيرها، وقد يُنظر إليها أنه مجموعة من الأحاسيس تعتمد على الذوق والمجاملة، وينظُر أخرون إليها على أنها التغاضي عن أخطاء الآخرين وتغليب العاطفة حفاظاً على الود حتى لو كان ذلك على حساب مصلحته أو مصلحة العمل، وهذا مناف لما تعنيه العلاقات الإنسانية بمعناها الصحيح، ويمكن تعريف العلاقات الإنسانية أنها تدعو إلى تنمية العلاقات بين أفراد المجمتع بما يضمن التكافل بينهم، كما يهدف إلى تنمية الحوافز وتطوير البيئة المحيطة بهم ودفعهم نحو الانتاجية والتعاون لاشباع حاجاتهم ومتطلباتهم الطبيعية والنفسية والاجتماعية. ولا تقتصر العلاقات على مجال معين بل تمتد لتشمل كافة مجالات الحياة، فقد أساء البعض هذا المفهوم فخلطوا بين الصفة الشخصية والصفة الإنسانية ظناً أن العلاقات الإنسانية تقوم على العلاقات الشخصية والاستلطاف والصداقة وما يتصل بها من مراعاة للمحسوبية وغيرها من الأمور ذات الصلة، بينما الواقع يؤكد أن العلاقات الإنسانية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً باقترانها بالموضوعية على عكس العلاقات الشخصية التي تقترن بالتحيز والتعصب.
كما تهدف العلاقات الإنسانية إلى تكافل أفراد المؤسسة وإثراء روح التعاون بينهم بما يحقق أهدافها وتطورها، وليس كما يحسبه البعض أنها مقرونة بنشاط سطحي محدود فهي تعمل على إذكاء روح العمل وإدارته على نحو يجعله أكثر فاعلية وجودة، وتساهم في تقوية العلاقات الإنسانية بين أفراده، وعلى هذا فإن العمل والعلاقات الإنسانية مقترنان ببعضهما يشكلان الإدارة الديمقراطية التي تعمل على تقوية الروابط الداخلية في المؤسسة بكامل دوافعهم وقيمهم في أحسن صورة، فهي مجموعة من الروابط التي تجمع مجموعة من البشر متحدين متضامنين لتحقيق أهداف معينة في مجالات مختلفة، وتبدأ العلاقات الإنسانية من خلال اعتبار الإنسان كوحدة من المجموعة كون أن الرغبات والحاجات تختلف من شخص لآخر تباعاً للتوجهات والظروف المحيطة به، فهو وحدة من التنظيم البشري الذي ينسّق العمل بين الأفراد والعمل الجماعي فهو جزء أو لبنة رئيسة مكملة من أصل البناء الذي يمكن أن نطلق عليه نشاط المجموعة.
يحكى أن خياطاً أراد أن يعلّم حفيده درسا بأسلوبه الخاص، وكان لديه قطعة قماش ومقص ثمين وإبرة وخيط فاستدعى حفيده، فأخذ المقص وبدأ في تقطيع قطعة القماش إلى أجزاء وبعد أن فرغ رمى بمقصه الثمين أرضاً واستغرب الحفيد لهذا العمل دون أن يعلق على جده ثم أخذ جده الخيط وإبرة الخياطة وبدأ بخياطة القماش وبعد أن فرغ غرز الإبرة في عمامته، هنا سأله الحفيد كيف رميت المقص الثمين بينما احتفظت بالإبرة الرخيصة؟ فكان جواب الجد إن المقصّ رغم ارتفاع ثمنه إلا أنه هو الذي فرق قطعة القماش والإبرة هي التي جمعته ليصبح ثوباَ جميلاً، يا بني كن من الذين يجمعون ولا يفرقون فإذا جاءك المهموم فكن له آذان مصغية، وإذا لجأ إليك المحتاح فافزع له، وإذا جاءك المعتذر فاصفح عنه، إزرع جميلاً تحصد الأجمل فيكفيك أنك الأروع.
إن الإيمان بقيمة الفرد واعتباره شخصية مميزة يجب احترامها واعطاءه الصفة الاعتبارية وأنه قادر على التفكير والإبداع – فيما إذا ما أتيحت له الفرصة- والقدرة على اتخاذ القرارات والمشاركة الفاعلة في المجموعة التي يكون ميزانها العدل والمساواة وعدم التحيز والمحاباة بين أفرادها؛ يعتبر العمل الجماعي أكثر قيمة وفاعلية من العمل الفردي حين يكون المناخ مهيئاً للاندماج بين أفراد بيئة العمل وتدفعهم نحو تكوين علاقات وثيقة ومد جسور الدعم المتبادل بينهم لتحقيق المنعة، فإن إغفال الجانب الإنساني في المؤسسة والتركيز على النواحي المادية فقط يدفع العاملين إلى تكوين تنظيمات غير رسمية داخل المؤسسة، وهنا نصل إلى أن الله عز وجل خلقنا ضمن شبكة تشبه في تكوينها وترابطها شبكة العنكبوت قوية في نقاط التقائها وضعيفة هشة في خيوطها وتكمن قوتها في ترابطها؛ شبّهت العلاقات الإنسانية ببيت العنكبوت لأنها كذلك.
وللموضوع تتمة …
1. ماذا بعد الصف الثاني عشر؟. https://alnaba.news/?p=56691. مجلة النبأ. سلطنة عمان:
2. البخاري في صحيحه باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا . حديث رقم 5703.