قف بين حدي الثقة والوقاية
علي بن مبارك اليعربي
نعيش الحياة تعطينا الكثير وتأخذ منا الكثير، والكثير من الأمور نأسف على فقدان البعض ونسعد لفراق البعض، وبين الحصول على هذا وفقدان ذاك … سلوك إقدام وإحجام أو بين كر وفر فكما يقال:
لا تحسن الظن حد الغباء ولا تسء الظن حد الوسوسة، وليكن حسن ظنك ثقة وحذرك وقاية وفكر قليلاً، فقط ستختلف مفاهيمك وتبقى الحياة أجمل.
حيث إن الثقة بمن حولك من أجمل الأمور التي تشعرك بالراحة النفسية؛ لذلك يسعى إليها كلاً منا، كما أن درجة الثقة التي يحملها الفرد تعد معياراً نفسياً و سلوكياً مع ذاتك ومع الآخرين، ومع ذلك يجب عليك عزيزي أن تضع حداً لهذه الثقة، وقد حثنا ديننا الحنيف على اجتناب سوء الظن في قوله سبحان وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
كما أمرنا بحسن الظن وتربية النفس عليه، وعدم المسارعة في الحكم على الآخرين والابتعاد عن الشك بنواياهم وأخلاقهم، ولكن ليس دفعة واحدة بل مع قليلاً من الفطنة، كما أن الثقة يجب أن تبنى من خلال تصرفات ومواقف وتجارب تحصل بين الناس، فالثقة رغم أننا أمرنا بها وتقر أنفسنا بها إلا أنها تعد مخاطرة فالواحد منا يضع نفسه بين أمرين الأول إرضاء للآخر و مكاشفته بكل أسرارنا ونحن مطمئنون بأنها لن تكشف وننعت صاحبها بأنه محل ثقه وهذه العبارة علينا أن نضع لها حدوداً، فبعض الأمور لابد أن نستعين فيها بالكتمان ونقف فيها على حدي الثقة و الوقاية ولا نستعجل الحكم عليه كما لا نسيء الظن به فمنهجنا الرباني وضعنا بين الثقة و الوقاية مع جميع من حولنا حتى أقرب الناس منا في قوله تعالى؛ لذلك يجب على الإنسان العاقل الحكيم أن يحتاطَ من الناس على وجه العموم عند تعامله معهم، وقد قالوا قديماً: (دارِ عن الناس ذهبك وذهابك ومذهبك)، و عليه أن يراعيَ ذلك أيضًا حتى أقرب الناس إليه كالزوجة والأولاد؛ ولذا قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ (15) [التغابن: 14، 15].
فعندما تقف بين هذين الحدين تبعد نفسك عن وصف محتوم كثيراً ما يوصف به صاحب الثقة العمياء وهو (الساذج). وكونك حذر فطن حكيم في كيفية التعامل مع الناس وكسب ثقتهم تمتلك ميزان يوصلك للرضا عن الناس والثقة بهم، ويبعدك عن الحماقة والبلاهة والسذاجة، ويحقق لك عزيزي الحذر وحسن الظن في آن واحد ويحفظ دائماً وأبداً سبيل النجاة من المواقف المختلفة، ويجد الحلول المناسبة لتفادي فقد العلاقات الاجتماعية بالآخرين، بل ويزيد ثقتهم واحترامهم لك. وليس هذا وحسب بل ستكون المستشار فيهم والمؤتمن. فاجعل من الوسطية والاعتدال منهج حياتك حتى تجعل للتعايش والإخاء واحترام الآخر قيمة مهما كانت قناعاته لمد جسور الثقة بين البشر، ووسطية تنأي بالعقل عن الشطط والغلو لضمان وحدة وتماسك المجتمع وسلامته.
وكما يقول الشاعر:
سامحْ أخاك إذا خَلَطْ .. منه الإساءة بالغَلَطْ
واعلم بأنّك إنْ طلبْتَ .. مهذَّبًا رُمْتَ الشَّطَطْ
مَن ذا الذي ما ساء قط ! .. ومن له الحُسْنى فقطْ
وليست الوسطية والاعتدال يعني الوقوف في الوسط بين معتقد وخلافه وفكرة ونقيضها أو بين توجه وعكسه. بل تعقل وتوازن ممزوجة بتروٍ وتفهم للآخرين. يتحقق من خلالها الأمن والأمان والاستقرار النفسي والاجتماعي. حيث إن أعظم النعم بالحياة راحة البال، إن شعرت بها فأنت تملك كل شيء. وكي تكسب السعادة عليك الاستمتاع بالحياة في كلّ فصولها وفي كلّ لحظة منها كما قيل حتى عندما يتغير الطقس في الفصول الأربعة.