2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

(1) الخَطَرات

د. علي زين العابدين

1- التقاه مصادفةً بعد غيابٍ طويلٍ فأظهر من ألوان الحُبّ ومظاهر الصداقة الشيء الكثير، ثمّ سأله عن سرّ غيابه، فكانت منه هذه الكلمات:
يا صديقي غبتُ عنك لسنواتٍ فلم تكلف نفسك السؤال عنّي ولو برسالةٍ خاطفةٍ، أو مكالمةٍ موجزةٍ، ثم قابلتك على غير موعد فأبديتَ مشاعر الإخاء، وهذا جميل، لكنّ الأجمل حينما تتحول هذه المشاعر إلى واقع عمليّ؛ إذ الصداقة في الغياب والحضور، وفي الحياة وبعد الممات.
******************
2- في طريقي إلى “دار الهلال” العريقة بالحي الزينبيّ بالقاهرة قابلتُ رجلاً كبيراً، أحنتِ السنون ظهره، وظهرتْ تقلّبات الحياة على تجاعيد وجهه، وعُكِس طولُ المكوث في قراءة الكتب ليظهر في سوادٍ تحت عينيه مع صغرهما، ثمّ سألني عن وجهتي، فأخبرته أنّي أقصد “دار الهلال” ففرح فرحاً شديداً، واستأذنني أن يكون رفيقي في هذه السويعة، فكان مما قاله لي هذه الكلمات وقد حفظتها عنه:
“الثقافة هي الكفيلة بضبط سلوك الناس، وهي القادرة على إضاءة العقول؛ لتتحرك الطاقة البنّاءة في الإنسان، ومن الثقافة تتفجّر ينابيع الحُب والتراحم”.
******************
3- بعد انتهاء الصلاة في المسجد المجاور لبيته سأل إمامه: ما حُكم إعطاء المحتاجين الواقفين أمام باب المسجد صدقاتي؟ وهل يجوز منعهم؟
سأله الإمام: هل كلّفتَ نفسك بالسؤال عن أحوالهم، فقد تكون الحاجة أعوزتهم، فإذا كان الأمر ذلك حمدنا ربّنا على نعمه الكثيرة، وسعينا في أن نكون لهم إخواناً متحابين.
يا صاحبي: ليت التفكير الذي يستغرقه ذهنك في تتبّع حالة هؤلاء توفّره لإعانتهم، فلا يكون سؤالك عن حالهم لتتبعهم، وإنّما لقضاء حوائجهم.
******************
4- رأيته إلى جوار إحدى مبانيه الفارهة، وقف يحدّث زوّاره عن حُسن هذه الأبّهة، مُعدداً لهم ما تقوم به من إنجازات، وما وصلت إليه من نجاحات، بَيْدَ أنّ أحداً لم يتفاعل معه مما أغضبه غضباً شديداً، إذْ كان يتوقع من الآخرين تعظيماً وتمجيداً، فأقبلتُ عليه في صمتٍ، وقلتُ له بسَمتٍ: يا عزيزي لم يجد المستمعون من مبانيك آثاراً ظاهرة، ولم يجنوا مع كثرتها نتائج باهرة، فهي تبتعد عن الأهداف المأمولة، ولا تحقق إلا أعمالاً بغيرها حاصلة، وهي مع ذلك تتفوق على غيرها بإسرافٍ في الأموال، وإكثارٍ من الأقوال، واختلالٍ في الأفعال، وابتعادٍ عن سبيل الأبطال، وتفننٍ في المظاهر والأشكال، فليتك فيما بعدُ تركز على المعاني دون الالتفات إلى المباني، فقد ضاقت صدورهم بهذه المتناقضات، ورفضتْ نفوسهم تلك المبالغات، وحينها سيُقبلون عليك إقبال الشاكرين، ويُذيعون خبرها في العالَمين.
******************
5- وقف في طريق العودة إلى وطنه حائراً، يُقدم رجلاً ويُؤخّر أخرى، ففي كلّ عامٍ يأخذ على نفسه المواثيق أن يكون آخر عهده بغربته عامَه، وها هو قد أخذ قرار العودة إلى مسقط رأسه بشجاعةٍ، وتحسّس في المطار جواز سفره فلم يجده، فحينها أيقن أن عمره سُرق في غربته كما قد ضاع جوازه، فذهبت سعادته، وتبدلت ابتسامته، ورجع على نفسه لائماً بأنه ضيّع أيامه، وأفسد طريقه، فلا هو حافظ على بقايا ذكريات الماضي وأُنسه بأهله، ولا استطاع أنْ يعيش بهناءٍ حاضره، ثمّ قال لرفيقه: اختر وجهتك قبل فوات الأوان، وتأكد أن الوطن أغلى ما يملكه أيّ إنسان.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights