النصب والاحتيال تحت مظلة الاستثمار
هلال بن حميد المقبالي
النصب والاحتيال عالم واسع من خلال أساليبه ووسائله، وتنوع الابتكارات وتحديثها من الأشخاص الذين صاروا محترفين في هذه العمليات، عمليات النصب والاحتيال، ويتفننون في اختيار الضحايا، وتزيد نسبة الاحتيال على البسطاء من عامة الشعب، لانهم يتعاملون بحسن النوايا، فيكونوا الفريسة السهلة للنصب والاحتيال، وتأتي عمليات النصب والاحتيال بطرق كثيرة، لذلك كثرة عمليات النصب والاحتيال في مجتمعنا العُماني، وتعددت أنواع أنشطتها، وطرقها، وأساليبها، وما نقرأه أو نسمع عنه من عمليات الاحتيال والتي تنجح في أكثر الأحوال، ويرجع في ذلك بسبب أنها تبدو مثل الشيء الحقيقي، و في أسلوب لا تتوقع أنه غير حقيقي فيأتي على شكل عرضاً مغرياً جداً وأقرب أن يكون صحيحاً، والتي تكون دوافعها وأهدافها مختلفة لكن أسلوبها واحد وهو النصب والاحتيال، ومن هذه الطرق والأساليب تأتي في البدء برسائل البنك التي تدعو إلى تجديد أو استبدال بطاقة الصراف الآلي، و عروض الهدايا العملاقة في شبكات التواصل الاجتماعي والذي يتطلب منك إيداع مبلغ من المال للفوز بهذه الهدايا، وشركات الإعلانات الوهمية، ومرورًا إلى النصب العقاري والاستثماري، الذي طغى وظهر في هذه الفترة بشكل ملفت للنظر.
من طبيعة الإنسان أنه محبًا لتحسين وضعه المادي ، وتطوير معيشته، لذلك يغتنم أي فرصة تتاح له لزيادة دخله الذي تزايدت عليها طرق الاستنزاف، ومن هنا تظهر طرق الاحتيال والنصب تحت مظلة الاستثمار، ومن يتبع هذه الطرق يجدها منتشرة بكثرة وأروقة المحاكم مليئة بهذه القضايا اللامتناهية الحدوث، حيث يتبنى مجموعة من المحتالين فكرة إدخال مستثمرين، من خلال الرسائل والإعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الالكترونية بحجة وجود عقود و إلتزامات لشركات كبرى لتزويدها بمعدات مما يتطلب رأس مال، والحاجة الماسة لمستثمرين أو لمزودين، برفد مالي لتغطية هذا العقد، والبعض منهم عن طريق الترغيب للمستثمرين لزيادة رأس مال المؤسسة أو الشركة، والدخول في صفقات عالمية تدر أرباحاً قياسية، ويعيق هذه الصفقة المبلغ الكافي، وبذلك يتم اصطياد المجني عليه بهذا المدخل، وإغراءه بعدة امتيازات منها، إعطاء مبلغ مرابحة (فوائد) شهرية بواقع نسبة معينة، قابلة للزيادة، مع الاحتفاظ برأس المال، وربما تضاف بعض المميزات مثل السفر على حساب الشركة، و الكثير من الإغراءات مما يسيل لها اللعاب، فيقع البعض في هذا الشرك ممن يرغبون بتحسين وضعهم المالي، أو من يطمع لزيادة أمواله، ويتواصلون مع المعلن وأخذ تفاصيل أكثر في هذا الشأن، وبعد الاقتناع يذهب هذا المسكين إلى اقتراض مبلغ الاستثمار، واضعاً نصب عينيه النسبة الربحية، التي تغطي مبلغ القسط، و ترفد له مبلغ مناسب له يستعين به لمصروفاته، وما يطمئنه أكثر أنهم عمانيون وليسوا وافدين، والشركة أو المؤسسة مسجلة بالسجل العقاري وتحت مظلة غرفة التجارة والصناعة، فيبادر في الموافقة وتوقيع عقد الأستثمار الوهمي، ولكتمل مسيرة النصب والاحتيال هذه يقوم المحتالين أصحاب المؤسسة/الشركة بإرسال مبلغ المرابحة (النسبة الربحية) إلى حسابه لعدة أشهر، والطلب منه أن يزيد رأس المال أو يشجع شخصًا آخر وأعطائة نسبة إضافية من المرابحة وهكذا؛ ليتفاجأ بعدها بتوقف تحويل المبلغ، وعندما يتواصل مع المستثمرين تتعذر هواتفهم، ليكتشف أنها كانت حيلة وتم النصب عليه.
و لهذه الجريمة مميزات خاصة تميزها عن غيرها؛ لأن الجاني يرتكب جريمته بحضور المجني عليه وبعلمه وبرضاه، سواء بإبرام اتفاقية أو صفقة معينة مع المجني عليه بأسلوب احتيالي يستحوذ فيه الجاني على أموال المجني عليه مقابل هذا المشروع الوهمي الكاذب أو أن يتخذ الجاني اسماً كاذباً أو صفة غير حقيقية للشركة أو المؤسسة فيحصل على الأموال بكل سهولة و بطريقة إحترافية صحيحة.
أذكر أنني طرحت في أحدى مجموعات الواتس اب، هذا الموضوع (النصب والاحتيال تحت ظل الأستثمار)، كيف يكون الإجراء القانوني لهؤلاء المحتالين؟ فكانت أغلب الردود التي صدمتني” أن القانون لا يحمي المغفلين” ، فهل حقًا ” أن القانون لا يحمي المغفلين”؟
إذا كان فعلاً كذلك فمن يحمي القانون إذاً؟، هل يحمي المحتالين واللصوص مثلاً؟
ربما هذا تصور العامة وفهمهم للوضع، و لكن يبقى هذا رأيهم، و لهم الحرية المطلقة في قول ذلك، ولو أن بعض المحامين أكد أن القانون نعم لا يحميك في بعض الجوانب المدنية، والتجارية، ما لم يكون هناك وثائق تساعد القانون ليحمي حقوقك ويكفلها، أما قانونًا تنص المادة (349) من قانون الجزاء العماني على:
” يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني، ولا تزيد على ثلاثمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حصل من الغير على نفع غير مشروع لنفسه أو للآخرين باستعماله إحدى طرق الاحتيال، أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة”..
فيبقى الحذر هو الأسمى في مثل هذه الأوضاع.
و هنا يظهر السؤال إلى متى تظل جرائم الاحتيال موجودة؟
حيث أن بعض طرق وأساليب الاحتيال التي يستخدمها الجناة للإيقاع بضحاياهم أصبحت رغم اختلاف صورها وأشكالها معروفة للعامة، و تكاد تكون محصورة بصور معينة، و في جوانب متشابهة، لكنها تتكرر الحدوث، فهل هو قلة الوعي والجهل من قبل البعض؟
أو ازدياد كثرة عدد المحتالين الذين يبتدعون الحيل الجديدة بصيغة غير معروفة لدى أفراد المجتمع؟
أو أن الإطمئنان لذوي جلدتنا من العُمانيين الذين يدَّعون أحتيالاً مساعدة الآخر وإخراجهم من دائرة العوز المادي.
إن ما نقرأه عن عمليات النصب والاحتيال، و قرأناه في الصحف المحلية سابقًا وفي الأيام القليلة الماضية، ما هو إلا جزءًا من تلك الأساليب المعتمدة، والتي تتغير حسب طبيعة العملية الاحتيالية، وأسلوب الاحتيال ونوع الطريقة المناسبة له.
إن ظهور هذه الظاهرة في المجتمع، وإيجاد البيئة الخصبة المناسبة لها، وقلة أو ضعف الردع القانوني لها، فإن حدتها ستزيد وبالتالي فإنها ستؤرق المجتمع العماني، وتبعث في الشعب الخوف و القلق وعدم المصداقية في كل شيء؛ لذا يجب من الإعلام و مكاتب الإستشارات القانونية الإكثار من نشر الوعي المجتمعي لتجنب والحذر من هذه العمليان والتعريف بطرقها وأساليبها، ونشر الأساليب والخدع الاحتيالية بصفة مستمرة لتجنبب خطورتهما، كما يتطلب من المواطن أيضًا أن يكون في وعٍ تام و يتبع الإجراءات القانونية الصحيحة، وأخذ الاستشارة القانونية من المختصين قبل إبرام أي عقد استثماري، كما يتطلب من الجهات الأمنية التحري بدقة لمثل هذه الممارسات ودوافعها، وأن يكون القانون غليظًا في الحكم ضد الجناة، للحد من انتشار هذه الظاهرة.