ثقافة الاستهلاك وسط جائحة كورونا
كتبه: لمياء محمد حمود المقبالية وشهاير الكثيرية
الإنسان بفطرته خُلق مستهلك، يستهلك المادة والأفكار والنظم حتى يصل لمرحلة التشبع، و من لوازم الإنسان أن تمر حياته وفق ضوابط و ثقافات تسهل عليه من عملية تعايشه مع الحياة خصوصا في وقت الأزمات والحالات الاستثنائية.
ومن هذه الثقافات ثقافة الاستهلاك التي لابد أن يعمل بها الإنسان لخلق نظام معيشي متوازن، وثقافة الاستهلاك ثقافة ماديّة تضمن توازن الاستهلاك و الترشيد للفرد و المجتمع، ولكن مع تزايد متطلبات الحياة وانهماك الإنسان في البحث عن أفضل أنواع الخدمات والمستلزمات التي تحقق له قدر أكبر من الاستمتاع؛ نسي أو تناسى الكثير ثقافة الاستهلاك.
وكعادة الأزمات تأتي لتوضح أهمية المفاهيم المنسية وتعيد ترتيب الأولويات، وهذا ما حدث مع انتشار فيروس كورونا، لذا نحن هنا لنتسائل هل اختلّ توازن ثقافة الاستهلاك بين الأفراد والمجتمع في ظل انتشار جائحة كورونا؟
في هذا الصدد، أعرب خالد بن هلال الغافري مُساعد مُدير مُشتريات وعقود عن رأيه في ثقافة الاستهلاك عند المجتمع و الأفراد و الأسر في ظل إنتشار جائحة كورونا قائِلاً :”مما لا شك فيه أن ثقافة الإستهلاك عند الأفراد والأسر والمجتمع قد تغيرت أثناء وبعد جائحة كورونا (كوفيد-19)، حيث كان السائد في المجتمع هو الإفراط في العادات الاستهلاكية واللامبالاة في الإنفاق، قد يرجع السبب في ذلك إلى تعود المجتمع الخليجي على نمط حياة مبني على الرفاهية والإنفاق غير المبرر سواء في الاحتياجات المنزلية أو الكماليات والترفيه”، و أكمل مُوضحاً أهم التغيرات التي جرت في الآونة الأخيرة :”مع التغيرات التي طرأت وانتشار الجائحة وما نتج عنه من انخفاض في أسعار النفط والاقتصاد العالمي والذي أثر بدوره على النقص في دخل الفرد، وفقدان البعض لوظائفهم، فقد كشفت عن تغييرات واضحة وكبيرة في العادات الاستهلاكية ونمط الحياة والتسوق، والتي تمثلت في تركيز الأسر على الأولويات في شراء الاحتياجات والمستلزمات المنزلية، والابتعاد عن الكماليات التي لا مبرر لاقتنائها، مشيدا في الجانب الإيجابي من جائحة كورونا في تعزيز ثقافة الاستهلاك، حيث يرى أن جائحة كورونا وبما سببته من سلبيات واضحة وجلية، إلا أن هنالك عادات وسلوكيات إيجابية قد ظهرت في المجتمع وهي التركيز على الأساسيات والادخار والتخطيط لاستهلاك الدخل أفضل مما كان عليه في السابق”.
إضافة إلى ذلك، وضّح الغافري حالة الخوف التي اعترت الأفراد والمجتمعات من عدم توفر الاحتياجات اللازمة وسط الأزمة بقوله :”ساد المواطنين مع بداية تفشّي الجائحة وتبعاتها من الإغلاق وغيره بعض التخوف من نفاذ المواد الغذائية الأساسية وعجز الأسواق التجارية عن تلبية احتياجاتهم، ويرجع سبب ذلك إلى الشائعات التي انتشرت في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والتي بعثت برسائل مقلقة حيال توفر المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها”.
وعلى الرُغم من الخوف الذي كانَ سائِداً بين أفراد المجتمع إلا أن الحُكومة الرشيدة قامت بكافة الإجراءات لضمان توفير كافة احتياجات المجتمع و هذا ما أكدّه الغافري في حديثه قائلاً: “إن دور الحكومة الرشيدة في هذا الجانب كان جليا من خلال ضمان توفير كافة الاحتياجات في الأسواق، وكذلك مراقبة التجار والمحلات التجارية لضمان عدم رفع الأسعار على المواطنين”.
و ختم خالد بن هلال الغافري مُشاركته حول توفير احتياجات المجتمع وسط أزمة كورونا مُؤكداً أنه على الرغم من تخوف المواطنين من تبعات الأزمة على الاحتياجات الضرورية إلا أنه لم يكن هنالك تأثيرا واضحا للأزمة على الاحتياجات والمواد الغذائية الأساسية.
وعن بدائل الشراء والتسوق خلال فترة الأزمات مثل جائحة كورونا، يوضّح الفاضل سالم بن علي المُقبالي مُدير مدرسة الغيزين للتعليم الأساسي قائلاً: “من البدائل التي ساعدت على تلبية احتياجات الأفراد في البيع و الشراء خلال أزمة كورونا هي التسوق الإلكتروني من خلال تسجيل الدخول في المواقع الإلكترونية للمحلات التجارية و شراء ما يلزم من السلع و نحن في المنزل دون الذهاب إلى المحلات و المراكز التجارية و الدفع مباشرة بواسطة البطاقات الائتمانية أو بطاقات الصرف الآلي، و أيضا استلام السلع بواسطة خدمة التوصيل المنزلي سواء مجانا أو بواسطة شركات التوصيل. أيضا ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل عملية البيع والشراء عن طريق عرض السلع بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي ، و الدفع بتحويل المبالغ مباشرة إلى حساب البائع ، و ظهرت أيضا منصات إلكترونية للبيع و الشراء تجمع كل منصة سلعة معينة و بأسعار مختلفة “.
وأضافت الفاضلة عفية الشيادية أخصائية الأنشطة بمدرسة القرية للتعليم الأساسي :”إن الاعتماد على الإنتاج الذاتي والأسري والزراعة والمنتجات المنزلية أحد أهم البدائل التي ساعدت على تلبية متطلباتنا من شراء و تسوّق خلال فترة أزمة كورونا”.
ومما لا شك فيه أن هناك جوانب سلوكية معينة في الجانب الاستهلاكي يتخذها المواطنون في فترة الأزمات وبشكل خاص أزمة جائحة كورونا.
و شارك الفاضل أحمد الشبلي أخصائي تدريب بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار بعض هذه السلوكيات قائلا: “يكاد يكون السلوك البشري متقاربا خلال الأزمات، ففي البداية ومع بداية الأزمة بدأت الإشاعات بالظهور وبدأ الذعر يدب في الناس من نقص المخزون في المواد الاستهلاكية،فظهرت فترة الشراء الجنوني للمواد من المحلات، و بالتالي ارتفعت أسعار بعض السلع ونفذت سلع اخرى بسبب الإقبال الكبير عليها”. وأكمل حديثه قائِلاً:”مع استمرار الأزمة تبدأ عادة التعود تسيطر و تحل محل الذعر و الخوف السائدين و تبدأ حركة الأسواق تهدأ حتى تستقر الحركة الشرائية و بالتالي تستقر الأسعار و تتوفر المواد المطلوبة”.
و في هذا الجانب وضح الفاضل خميس بن علي المعمري أستاذ بجامعة التقنية و العلوم التطبيقية بِصحار أهم النقاط في الجوانب السلوكية قائلا :” بدايةً وضع قوائم دقيقة للاحتياجات قبل دخول المحلات بدلا من التسوق العشوائي. كذلك تقليل معدل الذهاب للتسوق بمعدل مرة في الأسبوع ولمدة ١٥ دقيقة كحد أقصى”. وعلى مستوى الأسرة وضّح المعمري: “يجب الاكتفاء بالأغراض الموجودة في المنزل في وقت الرحلات مثلا بدلا من التسوق في كل مرة و زيادة مبلغ الدفع، كذلك قطع الوجبات الخارجية والاكتفاء بوجبات المنزل واستهلاك المواد الموجودة في المنزل بطريقة منطقية لضمان دوامها وبقائها لفترة أطول”. وختم قوله بالتوصية في التقليل من المبالغة في الاستهلاك في التجمعات العائلية والأعراس وغيره.
وأكد عادل بن سليمان الحوسني أستاذ في مدرسة جميل بن خميس السعدي للتعليم الأساسي على ضرورة التعاون بين أفراد المجتمع خلال فترة الأزمات قائلا: “التعاون بين أفراد المجتمع الواحد لمواجهة الصعوبات الناجمة عن الأزمات له دور كبير في ترشيد الاستهلاك، وهذا بدوره ينعكس إيجابيا في مواجهة الأزمة الاقتصادية والسيطرة على تداعياتها”.