*لابد من رُخْصة*

النبأ – صالح بن خليفة القرني
أن تتصدر دعاوى الطلاق قائمة دعاوى الأحوال الشخصية التي شهدتها المحاكم خلال جائحة كورونا بنسبة ٤٩٪ فهي مصيبة، وأن تكون الإحصائية لسبعة أشهر فقط – من مارس إلى أكتوبر- للسنة المنصرمة فالمصيبة أعظم وتعطي مؤشراً خطيراً على وهن وهشاشة تلك البيوت.
وهناك الكثير من المآسي في أروقة المحاكم يكون أبطالها رجالاً مقهورين عانوا الأمرّين من زوجات متطلبات لا يراعين إلاً ولا ذمة، أو نساء محطمات رمت بهن الأقدار تحت أرجل وحوش ضارية لا تعرف في قواميسها مفهوم الرابطة الزوجية وحقوقها، وبين هذا وتلك ضاع الأبناء بل وصل الأمر كما ذكر أحد المحامين أن يرفض كل من المطلقين أن يحضن الأولاد، فهل بعد هذا الإنحدار إنحدار؟!.
أن تتقدم لخطبة فتاة فلابد أن تعرف عنها أدق تفاصيلها، وحينما يسرك ما عرفت بعد سؤال الأمناء الثقات تتقدم لها وبدورها تأخذ وقتها للسؤال عنك اعتماداً على مصادر عديدة يعرف عنها الأمانة والصدق، وتتحرى أشد من تحري أعتى أجهزة المخابرات العالمية فالأمر جلل لأنها سترتبط بهذا الشخص ما بقي من حياتها، وحينما يجمعهما بيت واحد يتبدى لكل منها الجانب الآخر لشريك الحياة فيحاول أحدهما التكيف مع الآخر ويغض الطرف عن الزلات، ويرأب أي صدع في العلاقة الزوجية وقد قيل: ” إذا رأيت زوجين متفاهمين، لا تقل كم هما محظوظان، بل قل يا ترى كم هي كمية التنازلات التي قدمها كلٌّ منهما، وكمية العيوب التي تغاضى عنها، وكم زلة غفرها وتقصير تجاهله، وكمية المشاكل التي تحملها والوقت الذي قضاه ليفهم الآخر”.
إن بعض المعايير التي تعتمدها الفتيات والفتيان على حد سواء لقبول الزواج من وسامة للفتى أو جمال للفتاة أو وفرة المال تضعهم أمام معظلة كبرى، إذاً لابد أن تكون المعايير ترجح العقل على العاطفة، فلا يمنع أن يكون معيار الجمال مطلوباً ولكن لابد أن يسبقه الدين والخلق، ولا تفسير منطقي لهذا العدد الهائل من حالات الطلاق إلا اعتماد العاطفة دون العقل معياراً لقبول الزواج، والتركيز على المظهر وإهمال الجوهر الذي تقوم عليه شخصية الفرد.
ربما سمعتم عن رخصة الزواج الماليزية، فبعد أن رأت الحكومة هناك ارتفاع حالات الطلاق ألزمت كل من يرغب في الزواج أن يدخل برنامجاً مكثفاً لكيفية التعامل مع الزوجة، وتكوين الأسرة والتعامل مع الأولاد، وأسهم البرنامج بعد تطبيقه في انخفاض حالات الطلاق إلى أقل من ربع العدد والبرنامج إلزامي للطرفين.
آمل أن تضع الحكومة برامج من هذا النوع للسيطرة على هذا العدد الكبير من حالات الطلاق، فلا فائدة أن نعرص الموضوع دون أن نعمل على إيجاد حلول ناجعة له.
إن الاختلاط بين الجنسين والهوس الكبير على متابعة وسائل التواصل الاجتماعي ( حالات الواتس اب والستوريات …)، ومراقبة الناس وما يبثونه من تفاصيل حياتهم على شبكة الانترنت، وعقد المقارنات بين الزوج والشباب الآخرين، والزوجة والفتيات الأخريات يجعل أحد الطرفين يرى في شريكه مساوئ عظيمة، ولا يكاد يرى فيه أي حسنة، والواعي منا يدرك تماماً أن ما تراه من حياة الناس وما يظهرونه لك من وجه مشرق ليس صحيحاً في الغالب، وقد يكون واقعهم ظلاماً دامساً؛ لذا لابد أن نحسن الاختيار، وحينما نرتبط بهذا الرباط المقدس فليحاول أحدنا أن يتحمل الآخر ونغطي على العيوب بالمزايا، وليس هناك إنسان كامل والكمال لله وحده.
يخطئ من يظن أن المتزوجين غاروقون في العسل ولابد أن يعي كل من يجول بباله أن يتزوج أنه لا شيء كامل، والمثالية أمر عزيز المنال، فلابد إن كره منها خلقاً أن يرضى منها آخر، وهكذا تستمر الحياة، فلا حلو دائم ولا مر مقيم، وحتى يستوعب شباننا وفتياتنا هذا الأمر فلابد لابد من رخصة للزواج.