مدينة ( العُلا ) السعودية .. تاريخ حضاريٌّ ممتدٌّ منذ آلاف السنين
العُلا / السعودية – العمانية
تستضيف مدينة “العُلا” التاريخية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة يوم غدٍ الثلاثاء أعمال مؤتمر القمّة الخليجيّة الحادية والأربعين لدول مجلس التّعاون لدول الخليج العربية.
و” العُلا ” اسم لواحةٍ تاريخيّة كانت مكانًا استراتيجيًّا على طريق التجارة القديم الذي يصل بين جنوب الجزيرة العربية وبين كل من مصر وبلاد الشام.
وذكر ياقوت الحموي ” العُلا ” بضم أولها وهي جمع العُليا اسم لموضع من ناحية ” وادي القرى ” بينها وبين الشام نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلكه في طريقه إلى تبوك.
وتقع مدينة “العُلا” المُعاصرة في شمال غرب المملكة العربية السعودية وتبعد عن المدينة المنورة مسافة ٣٥٠ كم إلى الشمال وعن تبوك مسافة ٢٥٠ كم إلى الجنوب.
يقول الكاتب محمد بابلي في مقدمة كتابه / العُلا/ إن العُلا القديمة هي ” أرض دادان ” وعاصمة ” الدادانيين ” واللحيانيين ” وكانت واسطة العقد لتاريخ ممالك شمال غرب شبه الجزيرة العربية وموئلًا للحضارة والثقافة والكتابة ومحط أنظار الملوك الذين سعوا للسيطرة على طريق البخور القادم من اليمن السعيد.
ويضيف بابلي : “التجار قصدوا / العُلا / منذ آلاف السنين ليسلموا حمولاتهم الثمينة من البخور والحرير والنفائس إلى تجار آخرين يحملونها شمالًا وشرقًا وغربًا حيث كانت / العُلا / أو / دادان القديمة / محطة تزود وإقامة لتجار جنوب شبه الجزيرة العربية ومحطة تزود وسكن لتجار شمال شبه الجزيرة العربية ومحجة لعرب شبه الجزيرة من شمالها وغربها وجنوبها ووسطها.
وقد نجحت / العُلا / في تسنّم القيادة التجارية والزراعية والدينية لشمال غرب شبه الجزيرة العربية منذ القرن الأول قبل الميلاد وكانت الوحيدة من بين ممالك العرب آنذاك التي لم تُهجر رغم التغييرات المتسارعة التي شهدتها المنطقة في النصف الأخير من الألفية قبل الميلاد وفي القرنين الأولين بعد الميلاد من تنازع الممالك واضمحلال الحضارات وسكون الأصوات واندثار المدن.
ويشير الكاتب إلى أن عدد النقوش والكتابات الصخرية المُكتشفة في منطقة / العُلا / يزيد على خمسة آلاف في حين أن عددها في أرجاء شبه الجزيرة العربية يزيد على عشرات الألوف مما يجعلها موطنًا لأرشيف صخري يُعد الرابع عالميّا من حيث ثراؤه وتنوّعُه وكثرتُه.
ويذكر الكاتب أن بيوت مدينة العُلا القديمة تمتد من خاصرة ” جبل ناصر ” في الأجزاء المرتفعة من الجهة الغربية لوادي العُلا تحميها وتُطل عليها قلعة / موسى بن نصير / المبنية أعلى الجبل ويطلق عليها / قلعة العُلا / ويرجع بناؤها إلى القرن السادس الميلادي.
ويقول بابلي إن الزراعة كانت ذات أهمية كبيرة للمدينة وكان لكل بيت بستان تقريبًا ويوجد فيها ساعة شمسية / طنطورة / مبنية من الحجر الرملي لتحديد الوقت ومواسم الزراعة التي كانت تعتمد على معرفة العرب القدماء بعلم الفلك ومنازل الشمس المختلفة .
وقد عرفت العُلا منذ القرن الرابع عشر الميلادي بزراعة العنب والحمضيات والبطيخ والنخيل.
وتبعد الحِجْر / مدائن صالح / عشرين كم عن مدينة العُلا الحديثة في شمال غرب المملكة العربية السعودية وهي واحة أثرية مُهيبة تقع فوق سهل من الأرض تكسوه الرمال في أحضان سوار جبلي وتعتبر أحد أبرز المواقع الأثرية في المملكة وقد تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي باليونسكو كأول موقع يُسجل في هذه القائمة نظرًا لقيمتها الأثرية العالمية وأهميتها الثقافية.
واعتبر المؤرخون العرب القدماء كالطبري والقزويني والبلذري أن الحِجْر هي حاضرة / منطقة مدين / وهي تسمية اصطلح المؤرخون العرب على إطلاقها على ما هو معروف حاليًّا بالجزء الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية، أما الجغرافيون العرب من أمثال الإدريسي والمقدسي والاصطخري فقد ذكروا الحِجْر في إطار الحديث عن موطن ثمود قوم صالح عليه السلام.
ويذكر كتاب “مدائن صالح” للكاتب نفسه أن أهم الآثار الموجودة في منطقة / العُلا / يمكن تقسيمها إلى ٤ أقسام أولها قبور منحوتة في الصخر إلى الشمال من المدينة الحالية وثانيها موقع الخريبة وهي أيضًا إلى الشمال من المدينة الحالية ويوجد فيها محلب الناقة وهو عبارة عن حوض قُدَّ من الصخر قد تكون له علاقة بناقة ثمود التي ذكرت في القرآن الكريم وثالثها نقوش وكتابات كانت لها علاقات بالقبور موزعة بالوادي دون ترتيب أو نسق معين مما يدل على امتداد الفترة التي نُقشت أو كتبت فيها لعدد من الفترات وشملت المعينية والثمودية واللحيانية والنبطية ورابع الآثار الموجودة / المابيّات، وهي خرابة كبيرة لمدينة كاملة من القصر الإسلامي يُحيط بها سور كامل متهاو.
ويضيف الكاتب أن / الخريبة / هي الاسم الحديث لدادان عاصمة الدادانيين ثم الليحانيين التي تقع في منطقة العُلا الحديثة التي ازدهرت قبل حوالي عام ٦٠٠ قبل الميلاد.
وتعتبر الهياكل الحجرية الغامضة القريبة من العُلا من أقدم ما بناه الإنسان في هذه المنطقة وقد أطلق علماء الآثار اسم “البوابات” على الهياكل الحجرية التي تشبه بوابات ” الحقول ” عند النظر لها من الجو ويتراوح حجم هذه الهياكل بين حوالي ١٠ أمتار إلى أكثر من ٥٠٠ متر.