عبثية القرارات
أمنة بنت مهنا المزروعية
من المخزي أن يتشبث الفرد بقلقه، أن يقوقع نفسه في بوتقة الخوف والتردد، أن يرغم نفسه على المكوث عند فكرة ما فلا يصنع بابًا ليدخلها إنما يقف هكذا دون حراك دون أدنى مجازفة فلا يخطو. القرار هو الخطوة التي نتخذها كل يوم دون أن نشعر، فالقرار لا يقتصر على الموضوعات المعقدة إنما حتى في اختيار فطورك الصباحي احتساءك الشاي أو القهوة هو اختيار وهو كذلك قرار. الكثير من القرارات التي لا بد أن نتخذها في حياتنا أو لأقُل قد تُتخذ عنا حتم المجتمع علينا أن نمزجها بالمثالية والنجاح فنحنُ أو هم مطالبون باختيار الخليل الجيد، التخصص الجامعي الفريد، الجامعة العريقة، شريك الحياة المثالي، الزوجة الصالحة، الوظيفة الراقية وقس على هذه القرارات كل شيء حولنا.
مؤسفٌ وجدًا أن هذه الصبغة المثالية الزائفة التي وضعتها الأعراف والتقاليد في المجتمعات العربية هي التي جعلت الكثيرين يترددون في اتخاذ قراراتهم الحياتية بنفسهم ظنًا منهم بأنهم سيفشلون والأكثر أسفًا تكاثرت هذه الثلة المترددة نتيجة تراكم الصورة المغلوطة عن اتخاذ القرارات وانتقالها عبر الأجيال المختلفة فمثلًا الأخ الكبير هو صاحب القرار الأفضل وهو الأجدر بعد الأم أو الأب فيما يخص أخوته الأصغر سنًا شئت أم أبيت كذلك رب العمل سيكون قراره هو الصائب الصحيح حتى وإن خسرت المؤسسة كل أرباحها.
ثلة المتخوفين ببساطة ركنت كل أحلامها وطموحاتها وتخلت عن المجازفة وقررت أن تقوم بوأد شجاعتها وتبنت الخوف، لذا استطاعت أن تتعايش معه ولا زالت وستلقن الأجيال القادمة ذات الفكرة؛ لأنها لم تستطع الخروج من تلك الدائرة الصماء المغلقة.
لا أريد أن أقول بأن هناك قرارات فاشلة اتخذتها أنا أو أنت أيها القارئ بقدر ما أريد أن أحسن اللفظ وأقول قرار في غير محله أو في غير أوانه أو حتى أنه قرار غير مدروس. الفكرة التي أريد إيصالها أنه لا يوجد قرار فاشل إنما تتفاوت نسبة نجاح القرارات فهناك قرار ناجح كليًا وعلى النقيض الآخر قرار شبه ناجح أو منعدم النجاح. نصيحتي الأبدية الدائمة أنه يجب على كل فرد عاقل وواع أن يحدد قراره بنفسه، أن يتحلى بالشجاعة، أن تكون هناك روح مغامرة في داخله تدفعه للمضي قدمًا. وحديثي هذا لا يعني ألا نأخذ المشورة فيما يتعلق بقراراتنا لكن لا بد من الموازنة وتحكيم العقل والمنطق والمبدأ الخاص بك قبل تطبيق المشورة بمعنى أنا أتقبل رأيك في قضية تخصني وأنا أبحث عن حلها لكن رأيك حتمًا ليس قراري الأكيد الذي سأتخذه فربما أطبق جزءًا منه أو لا أطبقه البتة.
وكما يقول الشاعر الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب “مَنْ يَرْكَبِ البَحْرَ لا يَخْشَى مِنَ الغَرَقِ” وأنا أمثل قول الشاعر بالحياة وبقراراتها فمن أراد التميز والنجاح والصعود إلى القمم وتحقيق مبتغاه في حياته العملية أو العلمية أو حتى العاطفية، عليه أن يكون مدركًا وواعيًا وشجاعًا كفاية لاتخاذ قراراته عن قناعة تامة، عليه ألا يتذرع بالخوف أو العرف أو نقص المال والثمرات؛ ذلك لأنه لا توجد قوة تقف في طريق الإنسان إذا أراد ورغب. لهذا فلنكن واثقي الخُطى، واضحي الأهداف والرؤى، وآخرُ القول ان لا تعبثوا بقراراتكم وتجعلوها بيد الآخرين.