تقرير : محافظة مسقط محور اقتصادي وتجاري وتاريخي للسلطنة
مسقط /العمانية /تقرير
شكلت محافظة مسقط نقطة تاريخية مهمة وقامت بدورها كمحطة ومركز تجاري في المنطقة لموقعها الاستراتيجي على بحر عُمان حيث شغلت محورا حيويا للنشاط الاقتصادي والتجاري سواء على المستوى المحلي أو في علاقات السلطنة مع الدول الأخرى، كما أهلها الموقع الجغرافي والاستراتيجي المهم لتكون المركز السياسي والاقتصادي والإداري للسلطنة.
والزائر لمحافظة مسقط، وولاياتها الست: مسقط، ومطرح، وبوشر، والسيب والعامرات، وقريات ، يشاهد التمازج الرائع بين التراث الحضاري القديم والطابع المعماري العصري الحديث، فترى فيها المنازل والأسواق القديمة والمحلات الصغيرة والطرق الضيقة بجانب المنازل والأسواق الحديثة والمحلات والشوارع الواسعة لتمتزج شخصيتها التاريخية والحضارية بروح العصر والحداثة لتشكل معا لوحة جميلة يأتي إليها السياح من مختلف الأماكن لمشاهدة هذه المحافظة التي رسم بحرها وجبالها وسهولها وخيرانها وتاريخها ومكتسبات حاضرها المشرق لوحة فنية رائعة.
وكان لمسقط دور مهم في حقب التاريخ المختلفة كمركز تجاري بارز ساعد على تنشيط الحركة التجارية في منطقة الخليج والمحيط الهندي بفضل موقعها الاستراتيجي، وقد أكدت الكشوفات الأثرية عراقة هذه المحافظة حيث تشير المعلومات إلى أن مسقط سكنها الإنسان منذ بدايات التاريخ الإنساني وأظهرت الاكتشافات الأثرية حياة مجتمعات عمرانية في موقع القرم تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد ، حيث عثر على مقابر وبقايا أطعمة وأمتعة شخصية.
وأظهرت الكشوفات الأثرية في رأس الحمراء حضارة الصياد العماني في فترة بداية العصر الحجري الحديث في الحقبة التي سبقت الألف الثالث قبل الميلاد وأكدت أنهم كانوا على درجة عالية من الرقي والتطور وكشفتها وزارة التراث والثقافة في شهر فبراير 2000م، وتدل الآثار التاريخية التي اكتشفت في مدافن ولاية بوشر أنها ترجع للألفيتين الثانية والأولى قبل الميلاد. ويذكر ياقوت الحموي عن مسقط في كتابه “المشترك وضعا والمفترق صقعا” أنها مدينة على ساحل عمان ، ويشير إليها المقدسي في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” بأنها أول من يستقبل المراكب اليمنية وهي موضع حسن كثير الفواكه ومن هنا فإنه وبما لا يدع مجالا للشك تعتبر محافظة مسقط وولاياتها مكانا للاستيطان منذ أقدم الحضارات الإنسانية، حيث أن الموقع الاستراتيجي بطبيعته ساعد في تكوين حضارة عريقة.
وقد أعطى الموقع الجغرافي لمحافظة مسقط وتضاريسها الرائعة بعدًا سياحيًا فريدًا جعلها وجهه للسائح والمقيم، ونظراً للإقبال الكبير من السياح فقد أنشئت الفنادق الفخمة والشقق الفندقية ذات الطراز المعماري الجميل حتى تستوعب الأعداد المتزايدة من هؤلاء السياح من الداخل والخارج.
كما شكلت الحدائق والمتنزهات الجميلة التي تتوزع في ربوع محافظة مسقط محطة لارتياد السياح منها حديقة “القرم الطبيعية” وحديقة “ريام” و”الوادي الكبير” ومتنزه “قريات” وحدائق “الصحوة” وحديقة “النسيم العامة”، حيث تعد تلك الحدائق والمتنزهات متنفسًا حقيقيًا لكل القاطنين والسياح.
كما يجد السياح من البحر بمساحاته دورًا بارزًا في إنعاش الحركة السياحية نظرًا لما يتميز به البحر من شواطئ رملية جميلة ومكان هادئ للراحة والاستجمام ولعل أهمها شاطئ “القرم” و”الصاروج” و”العذيبة” و”قنتب” و”السيب” و”قريات” و”السيفة” و”يتي” حيث المظلات الجميلة والمرافق السياحية
والخدمية المختلفة.
وتزخر مسقط بعدد من المؤسسات العلمية والثقافية منها المتاحف التي تعتبر نوافذ تساعد المواطنين والباحثين على فهم التاريخ بأبعاده وزواياه، حيث تضم عدد من المتاحف المختلفة، تعرض أقدم المقتنيات الأثرية وتقدم لزائرها جانبًا من التاريخ والثقافة العمانية.
والزائر للسلطنة إذا ما أراد التعرف على تفاصيل تاريخها لا بد له من زيارة جانب من تلك المتاحف ، حيث تعد زيارتها ضمن المحطات الأساسية الدارجة في خارطة مسقط السياحية ومن هذه المتاحف متحف “بيت البرندة” ومتحف “التراث العماني” والمتحف “العماني الفرنسي” ومتحف “السيد فيصل بن علي” ومتحف “التاريخ الطبيعي” ومتحف “الطفل” ومتحف “بوابة مسقط” و”المتحف الوطني” ومتحف “القوات المسلحة” ومتحف “السيدة غالية” ومتحف “بيت أدم” ومتحف “النفط والغاز” ومتحف
“القبة الفلكية” ومتحف “بيت مزنة”، والمتحف “التربوي” بالمدرسة السعيدية ومتحف “بيت الزبير”.
ومن أشهر معالم محافظة مسقط أيضا جامع السلطان قابوس الأكبر الذي يعد واحدًا من أكبر المساجد في العالم ويمثل جانبًا مهمًا من العمارة الإسلامية، حيث يتميز تصميمه احتوائه على مختلف الفنون المعمارية والجداريات مثل فن الزليج المغربي والجداريات المغولية بجانب الممرات والقباب والمنائر والحدائق الواسعة والنوافير المائية، ويغطي مساحة قدرها 40,000 متر مربع، كما تزين قاعة الصلاة الرئيسية أكبر سجادة فارسية في العالم، نسجتها أيدي أكثر من ستمائة امرأة على مدى أربع سنوات، ويحتوي المسجد أيضا على أكبر ثريا في العالم، ويعد الجامع بجانب وظيفته الدينية مزاراً سياحياً حيث يسمح بالزيارة يومياً من الثامنة وحتى 11 صباحا بجانب وجود مكتبة وقاعة للمحاضرات.
كما يوجد بالمحافظة عدد من الجوامع والمساجد الكبيرة ومنها جامع السلطان سعيد بن تيمور بولاية بوشر وجامع السلطان فيصل بن تركي وجامع السيدة مزون بولاية السيب وجامع السلطان قابوس بروي وجامع السلطان قابوس بولاية قريات وجامع السلطان قابوس بولاية السيب.
كما يوجد بمحافظة مسقط عدد من المعالم الثقافية والعلمية تأتي في مقدمتها دار الأوبرا السلطانية، والمنتدى الأدبي، والنادي الثقافي، والنادي العلمي، حيث يأتي إنشاء دار الأوبرا في إطار الحرص والاهتمام بالتواصل الحضاري والثقافي وبمجالات الفن الراقي مع مختلف دول العالم.
وتأتي دار الأوبرا السلطانية كمعلم ثقافي وحضاري يوضح مدى الاهتمام بالانفتاح الحضاري على العالم وصولا إلى التنوع الثقافي الذي تفتخر به السلطنة، ودار الأوبرا متعددة الاستعمالات يمكنها أن تستضيف فعاليات مختلفة كحفلات الأوبرا والحفلات الموسيقية والمسرحية والمؤتمرات والملتقيات الثقافية والفنية، وتعد برامجها علامة بارزة تقدم الكثير من الفنون الرفيعة والبرامج المبتكرة التي تدعم مجالات المعرفة والإلهام لكافة المرتادين من عمان وأنحاء العالم.
ويشكل إنشاء دار الأوبرا السلطانية بمسقط خطوة كبرى في تطور التصاميم المعمارية العمانية، حيث تم استثمار العمارة التقليدية العربية الإسلامية وعناصر هذه العمارة، إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار التناسق والتناغم بين العناصر والتشكيلات المختلفة مع مراعاة اختيار المواد المناسبة التي اشتهرت بها العمارة العربية الإسلامية مثل استعمال الحجارة الكبيرة والأخشاب التي يتم تزيينها بنقوش بالغة الدقة والتعقيد، إضافة إلى الإيحاءات التاريخية المستمدة من التراث المعماري بالمنطقة، حيث شيد في 8 طوابق تقع 3 منها تحت الأرض و5 تقع فوقها، ويمتد مبنى الأوبرا من شمال الموقع إلى جنوبه ويقطع المبنى رواقان من الأعمدة يمتدان على جانبيه الشرقي والغربي، ويتناغم فيها التراث المعماري العماني والعربي والإسلامي في عهود مختلفة، وشيدت دار الأوبرا السلطانية على مساحة شاسعة تبلغ ثمانين ألف متر مربع وتبلغ المساحة المبنية خمسة وعشرين ألف متر، حيث افتتحت في أكتوبر 2011م .
وكان لدور مؤسسات المجتمع المدني أهمية بارزة في السلطنة، وتجلى ذلك في العديد من هذه المؤسسات سواء على الصعيد الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي أو الرياضي وكذلك فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ومن بين هذه المؤسسات: المنتدى الأدبي، والنادي الثقافي، والنادي العلمي، فهي تعد نافذة ثقافية وعلمية وأدبية شكلت فعالياتها حراكًا ثقافيًا جيدًا خلال السنوات الماضية، وما زالت تقدم العديد من المناشط الثقافية في شتى صنوف الثقافة والأدب، كما توجد جمعية الصحفيين العمانية، والجمعية العمانية للسينما، والجمعية العمانية للكتاب والأدباء، والجمعية العمانية للمسرح، التي شكل إنشاؤها حراكًا ثقافيًا وأدبيًا وصحفيًا على المستوى الخليجي والعربي والدولي.
/ العمانية /