كن حذراً..
هلال بن حميد المقبالي
لا يخلو أي مجتمع من وقوع مشكلات داخل السياج العائلي، البيت الواحد، وخاصة مجتمعاتنا الشرقية، لما تمثله هذه المجتمعات من نزعات مجتمعية تكاد تكون مهلكة في أغلب الأحيان للنسيج العائلي، والمقصود بالعائلة هو الأخوة والأخوات، العمومة والعمات ممن ينتمون إلى نفس الجد والسلالة المتعاقبة، ففي الغالب تكثر المشاكل، و مجتمعنا العماني لا يخلو من هذه المشكلات، وهي موجودة وبكثرة، حسب ما نسمعه أو نراه في بعض الأحيان، وأكاد أجزم بأنها موجودة في كل بيت، مهما تفاوتت الدرجات العلمية و الثقافات، هذه المشاكل قد تحدث من سوء فهم أو استعجال في فهم أمر ما وهذا الوضع لا يرقى لقيام مشكلة فهذه المشكلة حديثة العهد، وحلها مع العقلاء سهل، ولكن هناك مشاكل قد تكون تراكمية وتعاقبت عليها أجيال، وهذه المشكلة قد يكون حلها مكلف نفسياً للأسرة.
المشكلات لا تأتي بدون أسباب، وقد يكون سبب المشكلة شخص من العائلة وبسوء تصرف، أو إدراك منه، وبسوء فهم من الآخرين تحاملوا عليه ، وتوسع دائرة المشكلة وأصبحت صعبة الاحتواء.
لا يختلف اثنان بأن هناك فعلاً مشاكل تحدث في الأسرة الواحدة، فما بالكم في العائلة وهي المكونة من عدة أسر، وكما يقال في مجتمعنا العماني ( الأواني” الوعيان ” في المطبخ تتصادم) و هذا تعبير مجازي يدل على وجود تصادم بين الأشياء وإحداث ضجة من جراء ذلك التصادم، و من الطبيعيّ أن يواجه أفراد الأسرة بعض المشكلات، خصوصًا مع تفاوت قدرات التحمل والصبر؛ لأن الكثير من المشكلات سببها عوامل نفسية، وضغوطات حياتية، والتصادم بين الأفراد موجود ومستمر لأتفه الأسباب والأمر طبيعي جداً، ولكن ليس من الطبيعي أن يخلق هذا التصادم مشكلة مستمرة، و ليس من الطبيعي أن تكون المشكلة ذريعة القطيعة والبغضاء، وليس من الطبيعي أن تظل هذه المشاكل قائمة ومستمرة بدون حل جذري لها، فتأخر الحلول يزيد من توسع المشكلة، وقد تطول وتطول حتى تطال الأبناء والأحفاد، إذا لم يتم احتوائها في لحظتها أو في وقت قصير من حدوثها.
تعتبر المشكلة نوع من العلاقات المضطربة بين أفراد الأسرة والتي بدورها تُؤدّي إلى حدوث التوتُّرات، بين أفراد الأسرة و تختلف المشكلات العائلية، فقد تكون:
1.مشكلات عدم تآلف، إذا كانت أكثر من أسرة في نفس المكان، وهذا يحدث بين النساء أغلب الأحيان ويطال الأخوة والأبناء، وهذه أدنى المشكلات، وأكثرها حضوراً.
2.مشكلات أخلاقية تكمن في عدم احترام الآخر، والتقليل من شأنه وربما تصل إلى التلفظ بعبارات قد تسيئ إلى والديّ الشخص قبل ان تسيئ إلى الشخص نفسه.
3. مشكلات ماديّة (كالميراث، َوالمشاريع التجارية) وحتى المصاريف الاعتيادية المنزلية قد تسبب مشكلة، إذا لم يكن بها إنصاف وتظلم آخر عن آخر.
4. مشكلات اختلافات الرأي، تؤدي إلى سوء فهم بين الطرفين، وتطهر مشكلة من جراء ذلك يطول أمدها، وعاقبتها تكون متعبة.
5. المشكلات الزوجية، وهي عديدة ومختلفة باختلاف الموقف.
6. الحسد والحقد من نجاح شخص ما واستقراره النفسي والأسري و المالي، مما يجعل الآخر يخلق أي مشكلة زعزعة هذا الاستقرار، والذي هو يفتقده.
وبالرغم من اختلاف المشكلات الأسرية التي قد تنحل آجلا أم عاجلا وبطرق يسيرة وسهلة جدا، ويمكن حلها في لحظتها، إذا أنصف الطرفين في الحقوق، إلا أن البعض يريدها قائمة بتأجيج الوضع وتفاقم المشكلة، من خلال الانحياز إلى الجانب الآخر بالرغم من معرفته أنه هو صاحب المشكلة وسببها، فلماذا يريدها قائمة؟ ربما لغاية في نفسه.
مهما كانت المشكلة ومسبباتها فيجب أن نكون حذرين من التلفظ بعبارات قد تؤذي الآخر وتزيد من تعمق المشكلة، ومهما كان اللفظ بسيطاً وقد لا يكون له أي قيمة في الأوقات العادية لكنه كالجبل في قلب المشكلة، والألفاظ كثيرة والأخطاء واردة في مثل هذه المواقف ، فلنكن حذرين جداً من عاقبة هذه الألفاظ وخاصة بين الأسرة الواحدة، ولا داعٍ للفلسفة اللفظية لدى المتعلمين لمن هم دون مستواهم العلمي بعبارات مثل أنت جاهل أنت ما تعرف شيء أنت ما متعلم أنت مريض نفسي سير عالج وبعدين تعال ناقشني، أنت لا شيء …. إلخ ثم يتبعها بكلمات أنا ، وأنا… وأنا… هذه الأنا التي يبين فيها مناقبه، وهي عكس ما قاله في أنت.. هذه الأنا التي يمقتها المجتمع أجمع، فلا مقارنة بالأفضلية في المشكلات، وافتعالها، إنما المقارنة في أفضلية وجود طرق حل سليمة وصائبة للمشكلة،
وربما يكون ذلك الشخص المتلفظ بهذه العبارات أصغر في العمر من الآخر، فأين احترام الكبير في ذلك؟.
ومن المؤكد أن التجريح بالكلمات متعب نفسياً خاصة إذا جاء من شخص تكن له كل احترام وتقدير، وتعزه وربما تفضله عن الكثيرين ممن حولك، رغم احترامك له لكنه دخل في معمعة المشكلة، و كان هو وجه من وجوه المشكلة، فلا ينبغي التلفظ بالعبارات المسيئة للنفس؛ لأن مثل هذا الكلام حتماً سيكون أثره عميقاً في النفس ويظل، حتى و لو انحلت المشكلة يبقى جرح الكلمة غائراً لا يبرأ مهما طالت المدة، فلنكن حذرين من قول يظل تاركاً أثره في النفس لا يستطيع من تلقّاه أن ينساه مهما حاولت نسيانه، “فتجريح الذات بالحناجر، أصعب من جرح الجسد بالخناجر”.
ومما يزيد تأججاً للمشكلات أيضاً ظهور شخص من العائلة أو حتى من نفس الأسرة، وربما يكَون خارج أقطاب المشكلة، يؤجج الوضع بنقل ما قاله هذا لهذا ويزيد عليه ما طاب له من الكلام، وهو بسوء فهمه يقصد أنه يساعد في حل الخلافات القائمة عليها المشكلة، ولكن في المقابل يزيد من فجوة الخلاف، وربما ينقل شيء ما كان الشخص الآخر يريد نقله للآخر، وكذلك ما يزيد المشكلة تعقيداً أن أحد أقطاب المشكلة يدور ويلف بين أفراد الأسرة ينقل لهم نظريته وأنه غير مخطئ ويلفق الكلام بأسلوبه المقنع وطريقته الخبيثة، فيغير الحقيقة عن مسارها ، ويصدقه الغافلون منهم فيكونوا في صفه، دون الرجوع إلى الآخر ومعرفة الحقيقة بجميع أوجهها، فيصبح الآخر حائرًا كيف يبرر موقفه و َيغير من مسار المشكلة التي أججها الآخر، فيجد صعوبة في ذلك رغم التضحيات التي يضحي بها، ويتنازل عن الكثير، لكن من حِبك المشكلة حالت دون تلك التضحيات.
إن المواجهة الصريحة في مثل هذه المواقف و المشكلات هو أفضل الحلول، من مبدأ أن ما تقوله عني و من خلفي عند الآخرين أذكره أمامي، كن شجاعاً و واجهني، ولا تتجاهل خطابي، فربما بعد المواجهة لا تكون هناك مشكلة، بل كان سوء تقدير للموقف، أو التباس وسوء فهم.
في مجتمعنا العربي عامة والمجتمع العماني خاصة الكثير من المشاكل العائلية بعضها تورث توريث الإرث وتنتقل عبر الأبناء والأحفاد، وبالرغم من حصول الأبناء على شهادات جامعية عليا ولكن تراكم المشكلة حال دون تعقّل ، بالشهادة مهما علت و بدون تعقّل تمُت، و هناك من القصص الكثيرة في مجتمعنا لمثل هذه المشكلات التي تبتدئ من شخص شيطاني في الأسرة ويحيك لها حياكة مزخرفة حتى يحكم رباطها ثم ينتقل بين هذا وذاك، باثاً خرافاته، و أوهامه التي يصدقها من ألف شيطنته و جامله على حساب الآخر.. ليعيش أفراد الأسرة، في دوامة التشتت و التنافر من جراء ذلك، وكم من الأسر توفيّ أفرادها وهم متخاصمين لسنوات، وكم من الأسر لا تزال المشكلة قائمة بينهم وحلها جداً بسيط ، و لكن للأسف الشديد لا يريدون لها حل رغم وجود هذا الحل وسهولته ، ويرجع السبب في ذلك، أن الواحد منهم يجد نفسه هو الصح وهو صاحب الحق، والآخرين عكس ذلك، وهكذا تستمر المشكلة قائمة، رغم صغر المشكلة وسهولة حلها، لتبقى العقول منغلقة، والنفوس مشحونة.
إن من أنسب الحلول من وجهة نظري هو الحوار القائم على التفاهم، والهدوء، والبعد عن التعصب، والتلفظ الكلامي والذي لا يليق بأدب الحوار، وإذا لم ينجح الأمر في ذلك، يتم التحكم بواسطة شخص محايد من نفس العائلة أو حتى من خارجها يتفق عليه الأطراف، يكون أهلاً للثقة و معروف ومقرب من أقطاب المشكلة، و يرونه بأنه هو المناسب و الأصلح لحل المشكلة، و لكن قبل كل ذلك والأهم أن يدرك قطبي المشكلة أن تكون التضحية حاضرة فيما بينهما، وأن تكون المصداقية والشفافية في الطرح حاضرة، والمكاشفة موجودة دون هضم حق الآخر، و بسط ما يمكن من شأنه أن يمهد لحل أو زحزحة المشكلة، والوصول إلى اتفاق معين، يرضي الجميع مع قليل من التضحية والتنازلات.
وهناك حل آخر قرأته في أحد مواضيع علم النفس من فترة، وهو ما يطلق عليه الحل الخماسي وهو أسلوبٌ علميّ مُثبَت، يقوم بحل المشكلة؛ على النحو التالي..
1. تحديد نوع المشكلة.
2. جمع المعلومات المتاحة عن المشكلة من كافة الجوانب و الجهات، و بقدر الإمكان،
وجمع المعلومات الكافية عنها.
3. التفكير في عدّة حلول، يتم وضع عدد من الحلول المنطقيّة، وطورحها على الجميع وتطبيقها الآخر تلو الآخر.
4. اختيار أحد الحلول، و تتم هذه الخطوة بعد التفكير وتجربة عدة حلول ، يتم اختيار أحد أفضل الحلول المُتاحة، والتي تمّ طرحُها من قَبل، و هذه الخطوة أهم المراحل في حل المشكلة .
5. النتيجة، يتضح هنا نتيجة الحلّ، ومعرفة نتائج انتهاء المشكلة، و على ضوء النتيجة يترتب عليه هل تمّ حل المشكلة أم لا؟.
ولكن يبقى شيء واحد وهو مهما تعددت الأساليب لحل مشكلة ما، تعتمد في نجاحها على اقتناع تام بين أقطاب المشكلة وإبداء الرغبة في الحل الجذري لها.
الأسرة هي الكيان الأساسي للأفراد والحضن الحنون الذي يمتص كلّ الطاقات السلبيّة في أفرادها، وإذا برزت المشكلات في الأسرة، ضاع الكيان الوجودي وبرد الحضن، وماتت المشاعر ، لذا من المهم جداً التعامل مع المشاكل الأسريّة، بكل حذر ويقظة، وعلى كيفية حلها، والتغلب على الصعوبات والضغوطات لننجو بالأسرة إلى بر الأمان، بعيداً عن المشكلات مهما كان نوعها؛ لأنّ كثرة المشكلات و تراكمها قد يؤدي إلى تدمير الأسرة وتفككها.