الطلاق أبغض الحلال إلى الله.. حقوق المرأة المطلقة في ظل القوانين العمانية
اعداد: أسماء بنت يعقوب البلوشي
“ج”: ” قرار الطلاق ليس بالقرار السهل والهيّن، مررت بأيّام صعبة بعد الانفصال.”
محمد المجاهد: “جعل الإسلام الطلاق تشريعا استثنائيا يلجأ إليه عند الضرورة إذا تعذر أو استحال الإصلاح بعد استنفاذ كل الطرق المشروعة لحل الخلاف”.
البلوشية: ” قانون الأحوال الشخصية أنصف تماما المرأة المطلقة لأنه كفل حقها قبل كل شي”.
المقبالي: “حقوق المرأة المطلقة في قانون الأحوال الشخصية وردت في نص المادة (90)”.
محمد سيد: ” الذهاب إلى عيادات الإرشاد النفسي هو الحل الأمثل للتقليل تلك الآثار النفسية والاجتماعية التي قد يتعرض لها أفراد الأسرة بما في ذلك الأطفال”.
الحمادية: ” الطلاق يُعد أزمة نفسية بين الزوجين، ولكن هذه الأزمة تظهر بشكل خاص على المرأة”.
تحقيق: أسماء البلوشية
الزواج هو شريعة الله التي ارتضاها لعباده حتى يعمروا الأرض وشرّع الله شرائع تحفظ حقوق الزوجين، ولكن هذه الحياة لا تسير دوما كما يتمناها المرء، وقد تحدث خلافات تستعصي على الحل بين الزوجين مهما كانت علاقتهم قويّة فتقودهم إلى أبغض الحلال إلى الله وهو الطلاق، نسلط الضوء في هذا التحقيق على ظاهرة الطلاق..
الانفصال بمنتصف الطريق:
بعد حياة زوجية دامت أعوامًا عديدة تتحدث ” ع ” عن تجربة الانفصال، حيث تقول ” ع”: ” انفصلت بعد زواج استمر أعواما، قرار الطلاق ليس بالقرار السهل والهيّن، مررت بأيّام صعبة بعد الانفصال، ولكن لعل الخير يكمن في الانفصال وهذا أمر قدّره الله لي وأنا راضية على ذلك”، وتمضي ” ع” تقول ” قرار الطلاق يحتاج إلى قوّة وصبر وأنا اتخذت قرار الطلاق عن رغبة وبعد اقتناع وتفكير دام شهورًا”.
وتضيف ” ع” فتقول:” بقدر ما كانت تجربة الطلاق مؤلمة إلا أنني خرجت منها، حيث لم أفقد الأمل بعد الطلاق، وبدأت حياة جديدة مع أبنائي، حيث بعد الانفصال حصلت على حق الحضانة فتحملت مسؤولية تربيتهم” وتنهي “ع” حديثها فتقول” أرى يجب على المرأة المطلقة أن تتخلص من تلك الأفكار السلبية عن الطلاق وأنّ ما حدث كان بسبب اختيارها الخاطئ، لكن يفترض عليها أن تستفيد من تجربتها السابقة بكل ما احتوته من إيجابيات وسلبيات وعليها أن تتحلى بالصبر”.
الطلاق في الإسلام وأحكامه..
من ناحية أخرى يقول الدكتور محمد سعيد بن خليل المجاهد، أستاذ مشارك في الفقه وأصوله بقسم العلوم الإسلامية بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس: ” جعل الإسلام الطلاق تشريعا استثنائيا يلجأ إليه عند الضرورة إذا تعذر أو استحال الإصلاح بعد استنفاذ كل الطرق المشروعة لحل الخلاف من وعظ وهجر في المضجع وضرب وتحكيم، لقوله تعالى ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35 )﴾ (النساء).
ويمضي الدكتور محمد فيقول ” لذا كان الأصل في الطلاق أنه مكروه إذا لم تكن حاجة، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي، ومجرد كفران النعمة وإخلاص الإيذاء بها وبأهلها وأولادها، فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعا يبقى أصله من الكراهة، لقوله تعالى: ” فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا “، أي لا تطلبوا الفراق منهنّ حيث كنّ طائعات، أو أرجعن إلى الطاعة إن تحقق نشوز”.
وفي نهاية حديثه يقول الدكتور محمد: ” من أحكام الطلاق أنه يكون مباحا: إذا وجدت الحاجة إليه، وعلى ما وقع منه “صل الله عليه وسلم”، ومن أصحابه وغيرهم من الأئمة، وقد يستحب: كما لو كانت مؤذية له بأخلاقها السيئة، أو تاركة للصلاة، أو لا يميل إليها بالكلية، وقد يجب: إذا فات الإمساك بالمعروف، وقد يحرم كما في الطلاق البِدعي، وكما إذا طلبته المرأة دون سبب، لحديث أصحاب السنن عن ثوبان قال: قال رسول الله ” صل الله عليه وسلم”: (أيّها امرأةٍ سألت زوجها الطّلاق مِن غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنّة)”.
حقوق المرأة المطلقة
أما عن حقوق المرأة المطلقة تقول المحامية رزان البلوشية ” على الصعيد الشخصي أجد أن قانون الأحوال الشخصية أنصف تماما المرأة المطلقة لأنه كفل حقها قبل كل شيء، لذلك نجد أن للمرأة حقوق بعد الطلاق وأن هذه الحقوق لم تخضع لتقدير الزوج المطلق بل استمدت من الشرع لتنفيذ بعد ذلك بقوة القانون”.
وتمضي البلوشية تقول” هذه الحقوق تتمثل في أن تكون الحضانة للأم قبل الأب، وذلك ما راعاه المشرع في علاقة الأم بولديها وحاجته الماسة لها، إذ أن والده لا يحق له أن ينازع الأم الحاضنة في هذا الحق، إلا لاستشارات جاءت على سبيل الحصر. ثانيا شرع القانون العماني على ضرورية أداء النفقة وجعلها من الديون مستعجلة الأداء التي لها الأولوية قبل كل الديون، ويترتب على عدم سدادها حبسه وهذه النفقة تتمثل في نفقة المتعة ونفقة العدة”.
وفي نهاية حديثها تقول “كما أن لها الحق في استلام مؤخر صداقها كاملا دونما نقصان.. كما أن الدولة أولت العناية الكاملة في توفير مستلزماتها وما ينقصها”
بالإضافة إلى ما سبق يؤكد المحامي صلاح المقبالي: ” أن حقوق المرأة المطلقة في قانون الأحوال الشخصية وردت في نص المادة (90) إذ نصت بـ”يصدر القاضي المختص بعد وقوع الطلاق بناء على طلب ذوي الشأن أمرا بتحديد نفقة المرأة أثناء عدتها، ونفقة الأولاد، ومن له حق الحضانة وزيارة المحضون، ويعتبر هذا الأمر مشمولاً بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وللمتضرر الطعن في هذا الأمر”.
حق نفقة المتعة والصداق المؤخر..
ويمضي المقبالي يقول ” نصت المادة(91) من القانون ذاته: تستحق المطلقة المدخول بها المتعة حسب يسر المطلق”، ويشير المقبالي أيضا أن حقوق المرأة المطلقة التي وردت في قانون الأحوال الشخصية كالآتي: ( نفقة العدة، نفقة المتعة، الصداق المؤخر، الحضانة ونفقة الأولاد أو الرؤية والزيارة والاستشارة).
ويؤكد المقبالي أن المطلقة رجعيا في خلال أجل عدتها زوجة حكما، وذلك لقوله تعالى ” وبعولتهن أحق بردهن في ذلك” كما يشير أن لها نفقة وكسوة وسكن أيام عدتها. ويشير أيضا المقبالي أن نفقة المتعة هي حق من الحقوق الشرعية للمرأة المطلقة، وأن هي عبارة عن مال يدفعه الزوج ” المطلق” عوضا عن ترك الزوجة ومفارقته لها ويحددها القاضي وفق يسر واستطاعة الزوج، ويؤكد أن هذا العوض بسبب ما يصيبها من ألم وليرفع عنها وصف الإساءة. ويؤكد أن لو وقع الطلاق وفق رغبة المرأة فإنها لا تستحق نفق المتعة وفق القانون.
ويمضي المقبالي يقول ” جرى العرف بين الناس على تأجيل بعض من الصداق، وهذا العرف يحدد الأجل الذي يتفق عليه الزوجان بالنسبة لاستحقاق أجل الصداق، وقد يكون هذا الأجل محدد بعقد الزواج، وعند عدم تحديد ذلك يكون لأقرب الأجلين الطلاق أو الوفاة وعليه تستحق المرأة المطلقة صداقها المؤخر بعد وقوع الطلاق وفق قانون الأحوال الشخصية”.
حق الحضانة ونفقة الأولاد
ويؤكد المقبالي أن من حقوق المرأة المطلقة كذلك الحضانة ونفقة الأولاد أو (الرؤية والزيارة والاستزارة)، ويشير أن نظّم قانون الأحوال الشخصية الحضانة وذلك حرصا من المشرع على استقرار حياة المحضونين مهما كانت الظروف، ويمضي المقبالي يقول ” كذلك اشترط القانون في الشخص الذي يتولى الحضانة عدة شروط هي (العقل، والبلوغ، والأمانة، وخلوه من الأمراض المعدية الخطيرة)”.
ويضيف المقبالي أن من شروط الحضانة كذلك أن تكون المرأة غير متزوجة بزوج أجنبي عن المحضون إلا إذا رأى القاضي خلاف ذلك بما يحقق مصلحة المحضون. ويؤكد المقبالي أن تستمر الحضانة للأم حتى يتم المحضون الذكر السابعة من عمره، والأنثى حتى البلوغ، ويشير كذلك أن في ظل استمرار الحضانة مع الأم فان الاب ملزم بدفع نفقة الأولاد المحضونين شاملة المأكل والمشرب والمسكن وغيرها من المستلزمات الضرورية.
الطلاق حريّة وبداية لحياة جديدة..
ومن ناحية أخرى يقول الدكتور محمد سيد حسن من قسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس: ” أرى أن الذهاب إلى عيادات الإرشاد النفسي هو الحل الأمثل للتقليل تلك الآثار النفسية والاجتماعية التي قد يتعرض لها أفراد الأسرة بما في ذلك الأطفال، على سبيل المثال تصبح المرأة المطلقة عرضة للشعور بالوحدة والاكتئاب بالإضافة إلى تضاعف إحساسها بالفشل لأنها لم تحافظ على استقرار أسرتها، ناهيكم عن شعورها بالخوف من نظرة المجتمع لها واتهامها بالتقصير في حق أسرتها” ويمضي الدكتور يقول ” كذلك شعور الزوج بالوحدة وانعكاساتها النفسية عليه الذي يدفعه للاكتئاب أو اللجوء إلى الزواج بأخرى، بذلك يؤثر هذا الأمر سلبا على الأطفال الذي ينعكس عليهم في شكل التأخر في التحصيل الدراسي أو الوقوع تحت دائرة التنمر”.
وفي نهاية حديثه يقول الدكتور: ” في حين أن للطلاق عدة آثار منها تفكك الأسرة وصعوبة التكيف مع المجتمع الذي ينظر للمطلقة بصورة سلبية، بالإضافة إلى تعرض الأطفال إلى الانحراف السلوكي الذي قد يؤثر عليهم وما يتبع ذلك من مظاهر سلوكية سلبية.”
وبالإضافة إلى ما سبق تقول طيف الحمادية طالبة بجامعة السلطان قابوس بتخصص العمل الاجتماعي: ” الطلاق يُعد أزمة نفسية بين الزوجين، ولكن هذه الأزمة تظهر بشكل خاص على المرأة لأنها تكون محل اللوم والعتاب، مما ينعكس سلبا عليها نفسيا”، وتمضي الحمادية تقول ” من أهم الآثار النفسية التي تُعاني منها المرأة المُطلقة هي ضعف الثقة بالنفس حيث تبدأ في مخيلتها دوامة التساؤلات حول جوانب النقص التي تعاني منها والتي أدت إلى حدوث الطلاق” وتؤكد الحمادية أن قد يسبب الطلاق للمرأة بعض العقد النفسية بجانب الخوف من تكرار التجربة بسبب فشل العلاقة السابقة.
وتمضي الحمادية تقول: ” على الرغم من تلك الآثار السلبية للطلاق على المرأة إلا بالطبع هناك الكثير من الحالات التي يؤدي فيها الطلاق إلى حياة جديدة وأكثر سعادة وصحة”، وتؤكد الحمادية على أهمية الاستفادة من تلك الفرصة لتغيير الحياة إلى الأفضل.
وتضيف الحمادية أن يمكن تقليل من حالات الطلاق باستغلال فترة الخطوبة استغلال الأمثل بالتعارف بين الزوجين قبل الخوض إلى الزواج، كما أن معرفة الزوجين بحقوق وواجبات الحياة الزوجية حتى يحرص كلاهم أن يوفي بواجباته اتجاه الآخر. وتكمل الحمادية حديثها بنصح المقبلين على الزواج بالالتحاق بمراكز الإرشاد الزواجي، وتدعو الحمادية إلى ضرورة حل المشكلات البسيطة بين الزوجين قبل أن تكبر وتصل إلى التفكك الأسري. وفي نهاية حديثها تقول ” لابد من بث الثقافة في المجتمع فيما يتعلق بالوعي القانوني بحقوق المرأة المطلقة، وفي نفس الوقت التوعية بأضرار الطلاق وذلك من خلال الدورات وورش العمل”.
الدكتور محمد سعيد بن خليل المجاهد