2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

ميدان جماء للرماية

أحمد بن سليِّم الحراصي
Al.aast99@gmail.com

لا أعتقد أن قرية مثل قرية جماء غريبة الاسم على قارئيها وسامعيها، بل هي الاسم الذي يتكرر دائما في العديد من محافل ولاية الرستاق؛ ولأنها الاسم الذي يتكرر فهي لا تخلو من قرى صغيرة تجاورها أو لنقل بأنها بمثابة العمود الذي تستطيع قرية جماء الاستقامة به لما تحويه من آثار تاريخية وحضارية سياحية، كقرية الغيل وهي إحدى القرى المشهورة والتي تشتهر بمياهها التي تجري طوال السنة كما أنها القرية التي نشأ فيها العماني الذي التحق بجيش موسوليني وعاد به الحنين يوما للغيل والرواية مشهورة تحت عنوان (عماني في جيش موسوليني) لكاتبها ومؤلفها ابن القرية (ماجد شيخان السيابي) والحديث في هذا الشأن يطول كما أنني كتبت في مقالات سابقة عن ملخص للرواية، ولكنني أردت فقط أن أُبيِّن بعض القرى التي تتداخل مع قرية جماء بجمال جبالها وروعة أوديتها وأصالة أهلها، كما أن قرية المنصور إحداها والتي تشتهر بحصنها المعروف والمشهور باسمها والذي يقبع شامخا في نقطة إرتكازها وفلجها ذائع الصيت طوال السنين الماضية والذي كان يغذي القرية بمزروعاتها الخيرة وأهاليها الذين كانوا يقطنون فيها ولا يزال فلج المنصور ينضح بالماء الوفير إلى يومنا هذا، وحيث يبدأ الحديث عن قرية المنصور تبدأ حكاية الميدان، ميدان جماء للرماية حيث تبدأ الحكاية، حكاية أبطال الرماية وأصحاب الميدان.

فمن منطلق الحديث الشريف (علموا أبناءكم السباحة والرمي، والمرأة المغزل) ،انطلقت الفكرة في ذهن مؤسسها الأخ العزيز والغني عن التعريف، طامس بن جمعه الحراصي، الكل يعرفه بدماثة خلقه وسعيه الدائم في البحث عن البدائل والبحث عن ما يُفرض للقرية هيبتها وأهلها عزتهم ونخوتهم، هو يعرف جيدا أن الرماية هواية يحبها الأهالي وأنها ستلاقي ترحيبا ودعما كبيرا منهم، فالرمي هواية اشتهرت بين العديد من محبيها من الأهالي في القرى المجاورة وهي تقام بين حينٍ وآخر في بعض المناسبات كالأعراس فيتوافد الكثير من الناس حول هذا الحدث ودائما ما كانت تُجرى بينهم منافسات خاصة في الرمي بالسلاح الثقيل فيكون الهدف معلقا في جبلٍ عالٍ كصخرة واضحة بعلامة بيضاء أو نوع من الرخام الأبيض فتبدأ المنافسة ويبدأ الناس بالتجمهر بعضهم أحبَّ المشاركة والآخر يتفرج كمشاهد ومشجع.
لذلك فالأخ طامس أرادها أن تكون مساحة لإبراز المواهب والتجمع بهدف التعارف، واللقيا التي تشغلها الحكايات الطويلة في بحر لا طائل له من الوصول. فالفكرة باتت تشغله لذا اقترح ما رآه مناسبا، الجميع أيَّدَ الفكرة وتم تحويلها إلى الشيخ الرشيد، شيخ القرية، الشيخ ناصر بن محمد الحراصي الذي رحَّبَ بالفكرة وأبدى إعجابه واستعداده في أخذ اللازم للدعم والمساهمة فأصبح رئيس الميدان كونه اتخذ زمام الأمر في تسلُّم الموافقة لأخذ قطعة أرض تناسب الميدان بعيدا عن المناطق السكنية، وبين ذهابٍ وإيابٍ في انتظاره، وِفِقَ في استلام الموافقة والموقع حيث تقرر أن يقع الميدان في الجهة الغربية من قرية المنصور وهو ميدان لا يزال تحت الإنشاء مساحته التقريبية 4500 مترا مربعا.

كان العدد يسيرا في البداية لا يتجاوز العشرة من الجماعة الذين انضموا في الميدان لذا باتت التحديات تؤرق الجهود نظير الشح المالي ويد واحدة كما قيل لا تصفق ولكن السعي المشكور من الأهالي في بث روح التحدي والمنافسة جعلت من الميدان ينهض بمستواه وقد لا ننسى جهود الشيخ حمير بن ناصر الحراصي فهو الداعم الأول والمساهم الأكثر في الميدان وقد لا يخفى على البعض عن ماهية الشيخ حمير، فهو كان ولا يزال سبَّاقًا لدعم الشباب في ما تجود به يده من دعم مالي وتشجيع لبذل المزيد من المجهود، فهو إنسان معروف في الولاية وله حضور وبصمة بين العامة كما أنه الرئيس الفخري لمجلس جماهير الرستاق فبفضل جهوده وجهود الكثير من شباب القرى المجاورة، أهالي قرية جماء، الغيل، المنصور، والمسفاة، هؤلاء جميعا كانوا من الداعمين للنهوض بهذا الميدان ووضع حجر الأساس للميدان أولها بعمل مساحة جيدة ومستوية مناسبة للرمي، ثم بدأوا ببناء منصة الرماة واكتمل بنائها، طولها حوالي 40 مترا مربعا وهم الآن في صدد إنشاء منصة للمشاهدين أو الزوار المتفرجين لساحة الميدان. سيتم الافتتاح حالما تنتهي منصة المشاهدين وبالتالي سيكون نظام الرمي حسب نوع السلاح المستخدم سواءً سلاحًا ثقيلًا أم خفيفًا، وعلى هذا النطاق تُحدد المسافة لكلا النوعين، لذا فالجهود لا تزال مستمرة والدعم متطلب من الجميع للنهوض بهذا الميدان الذي سينهض بجماء العريقة وأهلها إلى الظهور، فالرجال يعرفون بأسمائهم وليس بانتسابهم لآبائهم وإن الفتى من قال ها أنذا، وليس الفتى من يقول كان أبي.

لست من محبي الرماية كهواية ولكنني استمتع بمشاهدتها وما رأيته من الجهود والأعمال في النهوض بمستوى الميدان أراه عملًا جبارًا وسعيًا مشكورًا وراء لفت الأنظار لهذه القرية العريقة التي ظلت سنين طويلة خلف القضبان وإن مثل هذه الجهود والأعمال المبذولة للسعي في تطوير وإحياء مثل هذه الموروثات هي الكفيل الذي تستند عليه الحجة في إخراج القرية إلى فضاء أرحب وأوسع، وهذا إنجازٌ يُحسب للقرية ولمرؤوسيها من الشيوخ والأعيان وأهلها النجباء، فالأمر يتطلب الكثير من السعي والدعم للوصول إلى الهدف المنشود والحقيقة أقولها أن تحقيق مثل هذا الإنجاز قد يجلب الكثير من الناس الباحثين عن التنافس والتعلم سواءً من أبناء قرى الولاية أم من خارجها فالميدان مفتوح لمثل هذه المنافسات لمن أراد الاستفادة والتنافس.

ولأن الحقيقة هنا تقول ودعونا نقف ولو لوقفة قصيرة فيما أنجزتموه جميعا أهالي ولاية الرستاق في المساهمة والدعم في تغطية النفقات اللازمة لبناء هذه الساحة وتحويلها لأرقى ما يكون من طلة في سبيل الرادَّة العامة، هي أعمال تخلد على التاريخ بأسماء الرجال الذين وقفوا وقفة الرجل الواحد في تمكين هذا العمل التطوعي الهادف إلى كسب وراثة الإرادة والشجاعة وتوطِّيد الاعتماد على النفس في أبناء هذا البلد إلا أنها قد تُكسب بالمران وكثرة التدريب وبعدها تغدو رامٍ جيد يُشار له بالبنان ولا بأس عليك في أن تخطئ هدفك ولكنك تأكد أنك تستطيع أن تفعلها مع الأيام القادمة، فالميدان لكسب التجارب والخبرة والاستفادة، فبارك الله الجهود في إنشاء مثل هذه البقعة الفسيحة لإحياء روح التحدي والمنافسة في قلوب المتباريين من الرجال.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights