2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

هجرة الأدمغة

 د. رضية بنت سليمان الحبسية
Radhiyaalhabsi@gmail.com

شهد العالم على مختلف الأزمنة أشكال عدة من ظاهرة هجرة الأدمغة أو كما يُطلق عليها أكاديميًّا بهجرة رأس المال البشري، من حيث انتقال الأفراد للعمل والعيش من المناطق الريفية والقروية إلى العواصم والمدن الأكثر تحضرًا. كما تمثلت تلك الظاهرة في انتقال الأفراد من الدول النامية إلى الدول المتقدمة؛ سعيًّا للحصول على فرص حياتيّة وبيئات عمل حاضنة للإبداع والابتكار سياسيًّا واجتماعيًّا. وقد تعدّت تلك الظاهرة إلى هجرة أصحاب العقول المفكرة بين الدول المتقدمة ذاتها؛ بحثًا عن فرصٍ أفضل في المجالات المالية، والصحية، والتكنولوجية، وغيرها.

إلّا أن ظاهرة هجرة العقول لا تؤدي فقط إلى إدامة الجمود الهيكلي المتأصل في البلد الواحد، بل باتت تُهدد مؤسساتها الوطنية، وعلى مستوى الوحدة المؤسسية؛ نتيجة خروج الكفاءات أو انتقالها بحثًا عن فرص تحقيق الأمان الذاتي والوظيفي، وضمان بيئات أكثر استقرارًا واحتضانًا لها. وإنْ كان البعض يرى أنها ظاهرة طبيعية تمثل حراكًا اجتماعيًا إيجابيّا، أو نقلًا عكسيًّا للمهارات، إلّا أنّ الأمر لا يخلو من آثار سلبية على مستوى المؤسسة/ الوحدة المُهاجر منها، خاصة في ظل شيوعها خلال فترة زمنية وجيزة. مما يدعو للتساؤل حول الأسباب والعوامل التي نجم عنها فقدان الكثير من الأفراد التي تُمثل رأسًا ماليًّا فكريًّا لأية مؤسسة، وقصور بعض المؤسسات في الحفاظ على تلك العقول التي تُعدّ في كثيرٍ من الأحوال قيمة مضافة لتحقيق النمو والتّطور للمؤسسة الأم.

وفي كثيرٍ من القضايا المؤسسية، فإنّ اجتراريّة المعالجات تُعدّ مستهلكة وخجولة، ذات تأثيرات قصيرة المدى، وتخدير موضعي لا طائل منه على البعيد المدى. وتبقى العوامل مُتجذّرة في البُنى التحتيّة تنخر بنيانها على نارٍ هادئة. ومتى تهيأت لها الظروف للانفجار، تجد لهيبها المكبوت يطفو على السطح، متخذة أشكالًا من الهجرات مغردة خارج أسرابها؛ بحثًا عن مأمنٍ يأويها، وملاذًا يحتويها.

وللتقليل من الآثار السلبية لهجرة الأدمغة بين المؤسسات على مستوى القُطر الواحد، فإنّ العملية تتطلب تبنيّ فكرًا يؤمن بأهمية الحفاظ على الخبرات وذوي الجدارات، واعتماد منهجيّة البحث العلميّ في دراسة وتقصي العوامل المؤدية إلى بيئة مؤسسيّة طاردة للكفاءات البشرية، والتوصل إلى الحلول الرصينة والاستراتيجيات الفاعلة التي تُقلل من استقطاب تلك الموارد خارجًا، والعمل على تطوير بيئتها الاجتماعية؛ بما يتيح فرص التَّطور الفكريّ والتّعليميّ، وبالتالي عدالة التّرقيّ والتَّقدم المهنيّ.
إنّ التخطيط للموارد البشرية على مستوى الوحدة التنظيمية، منهجية مستقبلية في إدارة مواردها البشرية. فهي عملية تنبؤية تُعنى بمسؤولية انتقال الموظفين من وإلى داخل المنظمة وخارجها. حيثُ تُساعد على تخفيض معدل دوران العمل من خلال توفير فرص للتطور الوظيفي للأفراد داخل المنظمة، وبالتالي تقليل نزوح القدرات الإبداعية، والكوادر المخلصة إلى جهات خارجية. ناهيك عن إعداد الصفوف الثانية من القيادات والوظائف الإشرافية الفنيّة؛ للحفاظ على استقرار الهيكل التنظيمي للمؤسسة، من حيث تسكين الكوادر الوظيفية أطول فترة ممكنة.

وعلى ما سبق، فإنّ كل مؤسسة تحتاج إلى موارد بشرية أكْفِيَاء؛ لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. لذا فإنّ على المؤسسات أن تُدرك أهمية إيجاد نظام تخطيط شامل للموارد البشرية وفق أسس التقييم المبني على الأداء المتميز، ينسجم مع خططها الاستراتيجية، ويتضمن نُظم فرعية دقيقة للإجراءات الخاصة بكلّ من عمليات الاستقطاب، التعيين والترشيح، التدريب والتنمية المهنية، التحفيز والترقيات، المكافآت والأجور المالية؛ لضمان تحقيق الريادة، وتعزيز القدرة التنافسية، والشعور بالرضا والأمان الوظيفي في ظل بيئة جاذبة حاضنة لرأس المال الفكري والمعرفي، وبالتالي الحدّ من عملية هجرة الأدمغة.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights