لقاء فكري بمناسبة اليوم العالميّ للتسامح
عمّان – العمانية
عقد منتدى الفكر العربي لقاءً حواريًا عبر تقنية الاتصال المرئي، تحدث فيه نائب رئيس جامعة حقوق الإنسان واللاعنف في بيروت الدكتور عبد الحسين شعبان حول فلسفة التسامح.
وشارك في اللقاء الذي أداره الأمين العام للمنتدى الدكتور محمد أبوحمّور: علي فخرو، الدكتور خالد شوكات، وسمير حباشنة والدكتور هايل الداوود (الأردن)، والدكتور محمد أحمد المخلافي (اليمن)، كما شارك في المداخلات الأمين العام للفريق العربي للحوار الإسلامي-المسيحي القس الدكتور رياض جرجور (لبنان)، والدكتور طه جزّاع (العراق).
وتناول شعبان معاناة بعض المجتمعات العربية من العنف والإرهاب والتطرف، بفعل غياب التسامح وعدم الاعتراف بالآخر وحقوقه، كما تناول نهج الهيمنة والتعصب المتزايدين على المستويين الإقليمي والدولي، وناقش بعض الأسس لبناء التسامح في العالم العربي، ومنها تحويل مبادئ التسامح إلى قواعد قانونية وتربوية يتم الاعتراف والالتزام بها من جانب المجتمع، إضافة إلى قبول التعدد واحترام التعددية وضمان العدل وعدم التمييز، والإقرار بحق الاختلاف واتخاذ موقف إيجابي من الآخرين.
وقال الأمين العام للمنتدى الدكتور محمد أبو حمور في كلمته التقديمية، إن الفكر العربي المعاصر مدعوّ للتفاعل مع القضايا الإنسانية الكبرى لتعزيز القيم التي تحمل معنى التسامح، وفي مقدمتها احترام التنوع الثقافي، وحرية الفكر والضمير والمعتقد في سياق الاختلاف، وبالتالي فإن ثقافة السلم –-كما تؤكد أدبيات الأمم المتحدة في هذا المجال- مصدرها لا ينحصر في الواجب الأخلاقي، فهنالك أيضًا الواجبات السياسية والقانونية.
من جانبه، أكّد المفكر البحريني الدكتور علي فخرو أن المجتمع العربي يعدّ من أكثر المجتمعات تعددية، وأن من المستحيل تعايش فئات هذا المجتمع بشكل سلمي من دون تسامح. مضيفًا أن نهج التسامح من أساسيات الديمقراطية، ومن دونه لن يتسنى للقوى السياسية أن تتنافس فيما بينها لتقديم الأفضل لمجتمعاتها، وستنشب الحروب الاستئصالية.
وأشار فخرو إلى أن التسامح ليس مطلقًا، فلا مكان له في قضايا الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين وقضايا التمييز بكل أشكاله، وذلك لأنه محكوم بالقيم والفضائل الأخرى.
ووضح رئيس الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة م. سمير حباشنة أنه من غير الممكن الحديث عن التسامح مع الآخر دون ترتيب الداخل وتحقيق التسامح فيه أولًا. فقد حُولت التعددية في العالم العربي إلى اختلاف بدلًا عن التنوّع.
وأضاف حباشنة: “نحن لم نفهم العروبة على أنها وعاء حضاري، بل على أنها عرق ولذلك لم تتحقق حالة من الوئام بين العرب وبين أصحاب الأعراق الأخرى في العالم العربي، لكن يمكن حل هذه القضية وغيرها من خلال تجسيد مفاهيم التسامح بين النخب والأفراد، واحترام الآخر كما هو للوصول إلى حالة التعدّد وإنهاء حالة النزاع الداخلي”.
وأشار أستاذ القانون التونسي الدكتور خالد شوكات إلى أن حركة الإصلاح الديني هي مقدمة لسائر حركات التحديث والتنوير والاصلاح، ومنها ينبثق مفهوم فقه التسامح الذي يجب العمل عليه وتأصيله من خلال فقه المعاملات، وهو فقه أصيل ومهم في تراثنا العربي الإسلامي.
وشدد شوكات على أهمية استنطاق النصوص المقدسة من قرآن وسنّة في قيمنا وفكرنا وسلوكنا وتعاملنا مع الآخر، من أجل تحقيق العفو الذي حثّت عليه العديد من الآيات القرآنية الكريمة بوصفه أحد أوجه التسامح، إضافة إلى التجاوز وحرية المعتقد وحرية الضمير.
أما الدكتور هايل الداوود، فقال إن الإسلام دعا إلى اعتماد التسامح منهجًا للتعامل بين الناس، وجاء تطبيقه العملي من خلال السيرة النبوية في حالات الضعف والقوة على حد سواء. وأضاف أن التسامح ينسجم مع مبدأ التعددية، وهو مبدأ قرآني قاطع وواضح، إذ إنّ الاختلاف سنّة طبيعية جعلها الله بهدف استثمار طاقات جميع البشر في توجّهاتهم وأفكارهم المختلفة من أجل إعمار الكون.
وأشار الداوود إلى ضرورة رد الاعتبار لحالة التعقل في عالمنا العربي، لاتفاق التعقل مع مبادئ الأديان السماوية بما في ذلك قيم الدين الإسلامي، فكل ما يتفق مع العقل هو من الدين، وكل ما يختلف معه فهو ليس من الدين.
وقال أستاذ القانون اليمني الدكتور محمد أحمد المخلافي إن الحاجة ماسّة إلى جهود مجتمعية وسياسية تقوم على تحويل الرؤى والتصورات النظرية إلى مؤسسات فاعلة، تتبنى التسامح وتعمل من أجله ومن أجل حماية المجتمع، من خلال وسائل تواصل جماهيرية أكبر من وسائل التواصل الاجتماعي كالتلفزيون والإذاعة.
أما الأمين العام للفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي القس الدكتور رياض جرجور (لبنان)، فأكد أن التسامح من الفضائل التي تمنح الإنسان القوة والقدرة على التوازن والمحبة، وتجعله شخصًا اجتماعيًا قادرًا على الاختلاط مع الآخرين وتقبّل عيوبهم وتفهّم طباعهم، وأن التسامح يوفّر نفقات الغضب وتكاليف الكراهية وإزهاق الأرواح، التي تشهدها الشعوب ذات ثقافة العنف والكراهية والانتقام المهيمنة في محاولة إلغاء الآخر.
أما الأكاديمي العراقي طه جزّاع فأشار إلى أن غياب الحل العادل والمنصف للعرب والفلسطينيين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أسهم في غياب التسامح في المنطقة العربية وهيّأ بيئة ملائمة لنشوء فكر متطرف مع مرور الزمن. إضافة إلى السياسات الغربية والتدخلات الأجنبية التي زادت الطين بلّة.