2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

حانت ساعة الصفر…

د. رضية بنت سليمان الحبسية

كانت البدايةُ بحُلُمِ ابنة النهضة كبنات جيلها من بناتِ قابوس المُفدّى، للالتحاق بجامعة أبيها الفتيّة، التي فتحت أبوابها مُرَحّبَةً بأبنائه المُجيدين، تدعوهم لنهل المعرفة مُتسابقين. ومؤشرات الثانويّة جميعها، تُجزم بفرصةٍ مضمونةٍ لمقعد تعليميّ بكلية الطب؛ شغفًا بالتّخصصات العلميّة، وحُلمًا لعالم الطب ومجالاته. فلم يكن سلك التدريس رؤية أولية على الاطلاق، ولكن شاءت الأقدار أن تكون كلية المعلمات تخصص العلوم فرضًا لا اختيارًا هو المسار الذي انطلقت منه لعالم التّربية والتّعليم. واستمرت رحلة العطاء بلا كلل أو ملل، بين محطات وظيفيّة مختلفة، والطّموح يَكْبُر، والدَّافعيّة تتضاعف بمقوماتٍ تأهيليّة، وخبرات ميدانيّة متنوعة.

وخلال رحلة مهنية ليست بالقصيرة، تحققت أحلام وأماني وسط أزمات وأعاصير، تقذف بها يمنةً ويسرةً، إلّا أنّ عزم المُضي قُدمًا، كان معولًا بنّاءً لمواصلةِ الرحلة. وبطبيعة الحال، فلكلِ قرار من الغيوم والسُّحب ما يكتنفه، إلاّ أنّ بعض القرارات تهلُّ كالمزن المنتظر طويلًا. وكما لكل شيء بداية، فحتمًا له نهاية. وها هي ساعة الصفر تدق بموعد الرحيل. لم يكن قرار المغادرة سهلًا، ولم يكن بين يوم وليلة. بل كان نتاج مخاض نفسيّ وماليّ في آنٍ واحد. ولكنّ، الإيمان بنعم الله في أحلك الظّروف وفي أكثرها تهديدًا، باعث قوي للاطمئنان بأنّ القادم أجمل، والرحلة مستمرة.

وكما يُقال: وترجلّ الفارسُ عن صهوة جواده، فإنّ الكثير من الصولات والجولات، كانت بمثابة معارك وغزوات ضروس في كثير منها، والحياة تأبى إلّا بالتّعايش والتّأقلم معها؛ شاء الفارس المغوار، أم أبى الفارس الخوار. ولكلِ مشوار من العبرِ والدروس ما يمكن تخليده في سجل الإنجازات، علّ المتعطش الباحث عنها له من شذراتها الشيء اليّسير. وإذا كان التّخطيطُ السّليم أجملها عبرةً، فإنّ قوة الإرادة أكثرها شموعًا. وعلى طريق الرحلة، هناك من المضادات والمرادفات بين المثّبطة والمحفّزة. ولِكِلَا الوجهين محامد، فالمثّبطات تزيدك عزمًا وإصرارًا، والمحفّزات تحرك فيك دافعًا مكنونًا. فالحياة قطار مهما طالت كبائنه، فمحطاته الأساسيّة حاضرة. لذا فإنّ عبق أثيرها، يَكْمُن في عذبِ ذكرياتها، وسموّ معانيها. فالبون شاسع بين أنْ تكدّ لتعيش، أو تعمل لأجل أن تُعَمّر. فإما تكون أو لا تكون.

إنّ الخطوب لتطول، والصّراعات تجول. ومن المواقف ما يقويّ أبطالها، أو يهز بنيان مغاويرها. ومع بطلة قصتنا، كان للتّحديات والمؤثرات مما زادها قوة وخبرة، وقدرة على الإبداع والإنتاج. فبرغم لهيب المواقف وممثليها، فإنّ المسؤوليّة الوطنيّة بداخلها تنتصر مُعلنةً عُمان أولًا، ولا لغيرها رضوخًا. وبين المحطة والمحطة تعلو الهمم، وتتعاظم القيم، والخبرات تتراكم، لأجيال عُمان الذين هم بها أولى. فلم تألوا جهدًا ليلًا ونهارًا؛ لأجلِ الوطن حاضرًا ومستقبلًا. فكان شعارها ديدنًا وموجهًا طوال الثلاثين عامًا. وإنْ لم تكن المكرمات أو التّكريمات لها منها نصيبًا، فإنّ استمرار العطاء رضا وقناعة خير دليلًا. وهنا نقول: إنّ حب الوطن وإخلاص العطاء، لا يحركه عوامل خارجية بقدر ما ينبعث من ذوات داخلية. فالوطنيّة عمل، تشهد له المواقع بتغير شخوصها، ولا شيء غائب لدى باريها.
وخير ما نختم به المقالة، آيات من الذّكر الحكيم، التي كانت شعار صاحبتنا منذ سنوات تعليمها النّظامي، وحتى فترة توديع مسيرتها التَّربويّة. وخلال محطة من أروع وأجمل محطات الحياة، قضتها بحماسٍ مُنقطع النَّظير، مُرَجّحَةً عشق العمل خلالها، حبًا ووفاءً لأرضٍ عشقت ترابها، ولقيادة استلهمت منها معنى البذّل والتّضحيات، وأسرة خلّد لها التّاريخ مواقف وبطولات، ولها في خدمة الوطن نماذج وشُرُفات. قال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا }- (سورة الكهف، الآية: 30). وقوله جلا وعلا: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}- (سورة التوبة، الآية: 105).

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights