المرأة قلب الرجل النابض
علي بن مبارك اليعربي
منذ خلَق الله سيدنا آدم -عليه السلام – وجعله خليفته في الأرض وما عليها، وأمره بإعمارها جعل له شريكاً في الأمر وهي زوجه حوّاء، حتى عندما تحدث -جل جلاله – عن تكليفهما بهذا كان الخطاب موجّهاً إليهما معاً على أساس المسؤولية المستقلة لكلّ واحدٍ منهما، فرغم أن الخطاب الأول كان موجّهاً لآدم فقد أضاف إليه زوجه بالعطف عليه في قوله تعالى {يا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}.
وعندما صرّح لهما بالأكل من حيثما يشاءان خاطبهما معاً بالنهي عن الأكل من الشجرة في قوله سبحانه وتعالى {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.
كما أنهما اقتسما وسوَسة الشيطان فكانت لهما معاً مصداقاً لقوله تعالى في محكم التنزيل {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} فهما معاً ضحية وسوَسته وخداعه.
والله خالق الخَلق ومدبر الكون يعلم أنه لا يستقيم أمر الكينونة البشرية إلا من خلال زوجين هما الرجل والمرأة كان عتابه لهما مجتمعيَن عند مخالفة أمره حيث قال سبحانه (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين).
فهذا الاشتراك في الخطاب بين الرجل والمرأة دليل على تكريمهما وتكليفهما معاً، فالمرأة مكرّمة كالرجل، وهذا التكريم منذ بدأ الإنسان الخلافة في الأرض، فقد أوكل الله عز وجل لكلّ منهما دوراً يقوم به في هذه الحياة لا تستقيم خلافة الدنيا وإعمارها إلا بتكامل تلك الأدوار بينهما.
ولأن الشيطان توعّد بإفساد كل ما من شأنه تعطيل أوامر الله في خلقه والوسوسة لهم وتشكيك ضِعاف النفوس منهم وخداعهم كلّما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولكون الترابط الأسري والتقارب المجتمعي من أهم العوامل المؤثّرة في النمو البشري وبقاء النوع والجنس فقد عمد إبليس اللعين إلى تفكيك ذلك النسيج البشري بالتقليل من إحدى مكونات الجنس البشري وليس أيّ مكون، فاستهدف إضعاف مكانة المرأة في المجتمع، فوسوس للرجل بأن يجرّدها من جميع حقوقها الإنسانية، فالمرأة عند الإغريق وجودها يمثّل أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم.
إنَّ المرأة عندهم تشبه شجرة مسمومة حيث يكون ظاهرها جميلٌ، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً حسب ما قاله سقراط.
لهذا كانت عندهم حقيرة مهينة حتى إنهم يعتبرونها رجساً من عمل الشيطان، وهي ليست إلا مَتاعاً يُباع ويشترى.
ولم يكن الرومان أقلّ مِمن سبقهم فقد كان شعارهم فيما يتعلق بالمرأة: ( إن قيدها لا يُنزع، ونيرها لا يُخلع).. كما إنهم في العصور الرومانية قالوا: (ليس للمرأة روح).
وعند الصينيين القدامى شُبهت المرأة عندهم بالمياه المؤلمة التي تغسل السعادة والمال، وأن لهم الحق في بيع زوجاتهم كالجواري، وإذا ترمَّلت المرأة الصينية أصبح لأهل الزوج الحق فيها كثروة تورّث، كما أن لزوجها الحق في أن تدفن زوجته حية إذا رغب هو في ذلك.
ولم تكن عند الهنود أسعد حظاً، بل في شرائع الهندوس اعتقادهم (بأنه ليس الصبر المقدر، والريح، والموت، والجحيم، والسم والأفاعي، والنار، أسوأ من المرأة).
وقد كانت عند اليهود تقدَّم قرباناً للآلهة لترضى أو تأمر بالمطر أو الرزق، وفي بعض مناطق الهند القديمة شجرة يجب أن يقدم لها أهل المنطقة فتاةً تأكلها كل سنة.
والفُرس قديماً يبيحون الزواج بالأمهات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وكانت الأنثى تُنفى في فترة الطمث إلى مكان بعيد خارج المدينة، ولا يجوز لأحد مخالطتها إلا الخدم الذين يقدمون لها الطعام، كما أنها كانت تحت سلطة الرجل المطلقة، يحق له أن يحكم عليها بالموت، أو ينعم عليها بالحياة.
وليس الفرنسيون أفضل حالاً من غيرهم من الشعوب القديمة، والذي ينادي رئيسهم اليوم بالحرية ويشكّك في ثبات الإسلام وقدرته على التوازن والتوافق المجتمعي، ويطالب بالتصدي لما أسماه بالانعزالية، ونسي أو تناسى المؤتمر الذي عقده الفرنسيون في عام 586م يبحثون فيه وضع المرأة هل تعدّ إنساناً أم غير إنسان؟ وهل لها روح أم ليس لها روح؟ وإذا كان لها روح فهل هي روح حيوانية أو روح إنسانية؟ وإذا كانت روحاً إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أو أدنى منها؟
وأخيراً قرروا أنَّها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
وقد أقرّ الإسلام النهج الربّاني الذي أراد إعمار الأرض في قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) وهذا دليل العدل والمساواة بين نوعَي الجنس البشري، ومن هنا ينطلق تكريم المرأة في جميع الرسالات السماوية قبل التحريف.
وجاء الدين الإسلامي وأكّد ذلك من خلال الحثّ على معاملة المرأة كأمّ وأخت وزوجة وبنت، ففي الآية الكريمة بيّن سبحانه وتعالى أن الأنثى المقتولة بالوأد سوف يحاسب قاتلوها (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ).
وكرّم الإسلام المرأة كأمّ لمعاناتها جرّاء الولادة، فقال جلّ في عُلاه: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمه كُرهًا ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف: 15]،
وكرمها كزوجة حيث وصف الله عزّ وجلّ الحياة الزوجية بأنها سكَن للرجل والمرأة حيث أقرّ المودة والرحمة وجعلهما جناحَي الحياة الزوجية السعيدة والذي من خلالهما تصلح الأسرة ويعمّ السلام والوئام المجتمع الواحد، وهذا حتماً لن يتأتّى إلا إذا تبادلا المودة والرحمة بينهما مِصداقاً لقوله تعالى في مُحكم التنزيل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ووَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم -21
وكرم الإسلام المرأة كأخت حيث قال عليه الصلاة والسلام (لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهن إلا دخل بهن الجنة). وجعلها راعية وسيدة في بيتها فقال صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (الرجل سيد على أهله والمرأة سيدة في بيتها).
فمنذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة رفع الإسلام شأن المرأة في هذا الجانب وأقرّ لها حقاً في الميراث زوجةً وأمّاً وبنتاً وأختاً، قال الله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}. هكذا نرى كيف أن الإسلام صان حقوق المرأة واحترم إنسانيتها وعرف فضلها وخصّها بكثيرٍ من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تكرمها أمّاً وزوجةً وأختاً وبنتاً.
وها نحن في هذه الأيام نحتفي بالمرأة في يومها -وإن كانت المرأة في ديننا مكرمة طوال حياتها- تذكيراً وترسيخاً لمكانتها في قلوبنا، فهي قلب الرجل النابض وساعده الأيمن ومنبع حيويته ونشاطه وسرّ تقدّمه ونجاحه، لا يستقيم أمره بعد توفيق ربه إلا بها بعد الله سبحانه وتعالى فكما يقال: (وراء كل رجل عظيم امرأة)، وكما قال الشاعر (حافظ ابراهيم) أيضاً:
الأمّ مدرسة إذا أعددتها
أعددتَ شعباً طيّب الأعراق
ولا أقول كما قيل: المرأة نصف المجتمع، بل هي المجتمع بعينه.
فأحسنوا معاملتها ليس بهدية فحسب، بل بكلمة تجبر خاطرها، ومعاملة تسعدها، فالدّين المعاملة،
بهذا فقط ستكون لك مجتمع آمن تشعر بكينونتك فيه.