المرأة العمانية شريك التنمية
عبدالله بن حمد الغافري
الحمد لله الذي خلقَنا مِن نفسٍ واحدةٍ، وخلق منها زوجها، وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، والصلاة والسلام على من قال استوصوا بالنساء خيراً، وعلى آله وصحبه الكرام رجالاً ونساءً، والتابعين لهم من الجنسين إلى يوم الدّين.
متى تكون المرأة شريكة التنمية؟
احتفلت أخواتنا العمانيات في السبت الماضي بيومهنّ، يوم السابع عشر من أكتوبر (يوم المرأة العمانية) حيث صدحتْ وسائل الإعلام كلها ومواقع التواصل أجمعها ببيان مناقب المرأة العمانية وحضورها في كلّ الميادين، وما أنجزته أو تنجزه في عهد النهضة العمانية المباركة.
ونحن إذ نشاركهنّ الفرح والسعادة كونهنّ يشكلنَ نصف المجتمع فإننا نتقدم إلى جميعهن بالتهنئة الخالصة بهذه المناسبة الوطنية الطيبة.
والحقيقة أن المرأة العمانية وكلّ أخواتنا النساء في بلاد العرب والمسلمين وليس في عمان وحدها؛ الحقيقة أنّ لهنّ كل الأيام مع شقيقهنّ الرجل، فالمرأة هي أمّنا وهي ابنتنا وهي أختنا وهي زوجنا وهي عمتنا وهي خالتنا وهي أختنا في الله وهي الحرم المَصون التي يحميها الإسلام الحنيف من أن تمسّها يد العابثين بالسّوء أو الأذى، ويكفي المرأة علوّاً لشأنها في هذا الدين أن أنزل الله تبارك وتعالى السورة التي تتحدث عن تفاصيل أحكام الجهاد في الإسلام بمسمى (سورة النساء)، وفي ذلك إشارة جلية وواضحة أن من أهم أهداف الجهاد في الإسلام هو حماية العِرض والشرف مع حماية الأرض والمقدسات وحماية الأوطان والأموال والممتلكات، كيف لا وحِفظ العِرض أحد المقاصد الخمسة للتشريع الإسلامي.
فإن كانت الأرض مُستقراً حسّياً نحيا على ترابه وجنباته، فإن العِرض وطنٌ معنويّ نحيا به ونشرف ونعلو بصيانته.
أخواتي العزيزات نساء عمان الكريمات وجميع شقائقنا المؤمنات:
إنّ المرأة العمانية كان لها حضورها المميز في إثراء الحضارة العمانية العريقة، أوَلَا يكفي أنْ كان الأئمة العادلون والسلاطين الماجدون أبناءً لأمهاتٍ صالحات ولدْنهم وأحسنّ تربيتهم وأخرجنهم إلى عالَم الحياة ليكونوا قادةً عظاماً تقوم على عاتقهم مسؤولياتٍ جِسامٍ مِن دماء الرعيّة وأعراضهم وأموالهم وحِفظ حقوقهم ونشر العدل فيما بينهم.
كمْ هو أجْر تلك المرأة الصالحة التي أخرجتْ إماماً أو سلطاناً ملأ الدنيا بعدله ورحمته برعيّته؟
كم أجرُك أيتها الأمّ العزيزة وأنتِ تنجبين عالِماً جليلاً أو قاضياً ذكياً أو عاملاً مخلصاً أو ابناً تقياً أو جيلاً صالحاً يتّسم بالصلاح والبرّ والتقوى، خُلقه القرآن وسِمته الإيمان ونهجه رضى الرحمن وهدفه بناء الأوطان والفوز بالجنان؛ لذلك كانت الأمومة وتربية الأجيال هي الوظيفة الأولى المقدسة في المجتمع ولهذا فإنّ الأمومة هي أول وأهم مُساهمات وواجبات المرأة في التنمية، لذلك هي هنا ليست شريكةً في التنمية بل هي ركنٌ ركين وعمادٌ قويم فيها، فعليكِ أيتها الأخت الكريمة أن تدركي واجبك وأن تسعي لأن تكوني أمّاً صالحة تمدّ المجتمع بالنسل الشريف والوِلدان النافعين امتثالاً لوصية الله تعالى ورسوله الكريم.
ثمّ يبرز دَور المرأة الصالحة في تنمية المجتمع من خلال مشاركتها أخيها الرجل في بناء الأسرة وتكوين لَبِنةٍ صالحةٍ في المجتمع، تلك الأسرة السعيدة الهانئة القائمة على المودّة والرحمة والتسامح وحُسن التبعّل مع الزوج والنّصح والإرشاد للناشئة وصِلة الرّحم والتراحم مع الأهل والجيران والمجتمع الكبير.
يحقّ للمرأة أن تشارك في جميع مجالات التنمية في بناء الوطن بضوابط تحفظ لها كرامتها وتصون لها عِرضها وتحفظ لها حياءها وأنوثتها. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشرك المرأة حتى في المعارك ومواجهة العدو، فهي الساقية للجُند وهي المداوية للجَرحى، بل عند الضرورة هي الضاربة بالسيف دفاعاً عن عَرين القائد وحِمى البلاد.
والمرأة العمانية تقلّدت جميع الوظائف في التعليم والصحة والخدمة المدنية وفي المجال العسكري والأمني وأثبتتْ جَدارتها وأنها الجناح الثاني الذي يحلّق به طائر الوطن في سماء التقدم والنماء وأنها اليد الأخرى في التضحية والفداء والعَطاء فأعظِم بكِ من امرأةٍ ماجدةٍ تَرقى بها الأوطان.
والمرأة العمانية كانتْ وما تزال عَبر التاريخ تضرب أروع الأمثلة في نماء المجتمع وازدهاره، فكانت أمّهاتنا رَحِمهنّ الله اليد اليمنى لربّ بيتها فهي التي تطبخ لعيالها بيدها وهي الشريك في الفِلاحة وكسْب الرزق، وهي المداوية للمرضى بما وهبها الله تعالى من حكمةٍ وعِلمٍ.
وهي القابلة لجارتها أثناء ولادتها بل هي الكافلة لطفل جارتها في غيابها ولم تكن حركة أمهاتنا في السابق ومشيهنّ لم يكنْ لأجل الرياضة أو تخفيف الوزن، بل كانتْ لكسب المعاش فلا تعود لبيتها إلا وعلى رأسها قِدر الماء أو حزمة الحطب أو قُوت أنعامها أو حصاد ما زرعته أسرتها أو رزقٌ كسبته من تجارتها وسَعيِها.
فلله درهنّ مِن أمّهاتٍ صالحاتٍ، وإنني أجزم_ والله أعلم_ أنّ أمهاتنا من تلك النسوة في الأجيال السابقة سيدخُلنَ الجنة بغير حساب، فمن باتَ كالاًّ من عمل يده بات مغفوراً له.
أختي المرأة العمانية:
إنّ حِفاظك على قوة المجتمع ونماء أخلاقه وصَون مكتسباته وتطور حياة أفراده واجبٌ ربّانيّ ودأبٌ إنسانيّ وسمتٌ عماني عظيم، فاحرصي على شرفكِ وأخلاقكِ وكريم سجاياكِ من خلال التقيد بضوابط الشرع الحنيف في الملبس والمُخالطة والكلام فإن المرأة في الإسلام هي الجوهرة المكنونة والدرّة الثمينة فلا ترغبي عن تلك المنزلة التي رفعكِ الله إليها.
لذلك حريٌّ بكِ أن تتركي التزيّن والتطيّب إلا لزوجكِ ومحارمكِ، وحريّ بكِ أن تلبسي اللباس الشرعي الواسع الساتر الذي لا يصف ولا يشفّ فيطمع الذي في قلبه مرض “ولا يضربنَ بأرجلهنّ ليعلم ما يُخفين من زينتهن”
لكِ أن تعملي في جميع المجالات وأن تُبدي فِكركِ المستنير لبناء الوطن فلا تبخلي بما يتوصل إليه عقلكِ من أفكارٍ وابتكارٍ لتسهيل حياة البشر. فهذه أمّنا أمّ سلَمة رضي الله عنها تشير على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحَلق أو التقصير وبالنّحر يوم الحديبية حتى يتبعه الناس ويتخلّوا عن رفضهم القيام بذلك حيث استعظموا أن يفعلوا ذلك حتى يبلغ الهدي محلّه، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك امتثالاً لمقترحها وتبِعه الناس وانتهت المشكلة.
فالحكمة ضالّة المؤمن، والحقّ قد يُلقيه الله تعالى في لُبّ رجلٍ أو امرأة، فهُما في المواهب سيّان، وهما في العطاء صنوان.
إننا نقدّر عالياً اللفتة الكريمة من لدُن المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان #هيثم_بن_طارق المعظم حفظه الله تعالى ورعاه في تكريم الإنسانة العمانية، كما أنّ وقفة السيدة الجليلة حرم جلالته حفظهما الله ورعاهما تعتبر برهاناً ساطعاً على اهتمام بيت الحُكم والأبوّة العماني بالمرأة العمانية الكريمة، ويعدّ هذا التكريم الذي شمل بعض أخواتنا هو تكريم لكل امرأة عمانية غيورة، وهو بالتالي تكريمٌ لكل أفراد مجتمعنا الكبير الذي تحتويه أمّنا العزيزة عمان المباركة دام عزّها وحفظنا الله فيها وحفظ أهلها الكرام على المحبة والأخوّة والسعادة والسؤدد.
“وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم”.
والحمد لله رب العالمين.