2024
Adsense
أخبار محليةمقالات صحفية

مُعْضِلة حرف “الدال”

د. رضية بنت سليمان الحبسية

إنّ المُتتَبّعَ لواقعِ مجتمعاتنا العربية، يُبصرُ صحوَة الناس نحو الترقّي في مصافّ العِلم والمعرفة؛ بنيَل أرقى الشهادات والألقاب العلمية والأكاديمية.

ومع ما يعتري رحلة الباحثين والأكاديميين من مِحنٍ وصِعابٍ ثقال في سبيل تحقيق آمالهم ورؤاهم، إلّا أنّ ذلك يُمثّل سُلّمًا لمواصلة المَسير، فكلّما تقدّم الفرد خطوةً للأمام كانت العزيمة أكبر وشغف الانتصار أبلغ.

تتباين غايات الناس في تقلّد أوسمة الأُدباء والعُلماء وبلوغ مراتب الشّرف والعطاء، فما بين شغفٍ نفسيّ، وطموحٍ مستقبليّ، أو الاتجاهين معًا. فسَعي خرّيج الدبلوم العامّ وما يعادله للحصول على شهادة التعليم العالي تُمثّل الخُطوة الأولى للانطلاق نحو عالَم التخصّص والتأهّل لمراحل لاحقة تتضمن شقيّن رئيسين:

إمّا الانخراط في العمل الوظيفيّ حكوميّاً أو خاصًا، أو أنْ يسلك مَسلك التأهيل الأكاديمي بدءًا بمرحلة الماجستير، الدكتوراه، فالأستاذية إلى آخِره من ألقابٍ علميةٍ وأكاديميةٍ باختلاف الجهة والمرجعية.

إنّ حصول الفرد على مراتب علمية متقدمة كالدكتوراه وغيرها، أو التي يروق للبعض اختصارها بحرف “الدال”، تُلقي على صاحبها مسؤوليات جِسام، قلّما يدركها إلا صاحبها.

فمن غير المقبول جملةً وتفصيلًا محاولة النّيل من حاملها، أو التقليل من مساهماته المجتمعية، أو كمن يُعَيّرُ حاجًّا بزلةٍ أو تقصيرٍ.
فالأصل أنّ مَنْ وَصَلَ إلى مرتبةٍ علمية بجهده أو مكانة دينيّة بالتزامه، ليس بحاجةٍ لمن يُذَكّره بأصولِ علمه أو دينه، إلا لِمن أراد أنْ يكون كمَن يهوى الصيّد في الماء العَكر، فلا أصحاب حرف ” الدال” أنبياء ولا الحجيج ملائكة.

وتلك إحدى مُعضلات حرف “الدال”، إذ تُلقي بظلالها سلبًا أو إيجاباً على المستهدَفين أنفسهم، وهنا يتحتّم على حاملي المؤهلات العلمية مواصلة سبر أغوار المعرفة والعلوم دون توقّف، كلّ في مجال اختصاصه. فالحكومات والدوَل تُعَوّل عليهم الشيء الكثير للارتقاء بواقعها، والبحث عن حلولٍ لقضاياها سواء بجهودٍ فرديةٍ أو تحت مظلة مؤسسية.

ومِنْ المُعضلات المرتبطة بحَمَلَةِ شهادة الدكتوراه والأكثر شيوعًا هي معضلة إنزال الناس منازلهم، فمع تزايد أعداد المؤهلين علميّا وأكاديميًّا، فإنّ الاستفادة من إنجازاتهم العلمية محدودة، إمّا لعدم استيعاب المؤسسات لتلك المخرَجات، أو لقصورٍ في حاملي تلك المؤهلات، شئنا أمْ أبَينا.

فهل يقودنا ذلك إلى حتميّة مراجعة معايير الحصول على الشهادات العلمية من ماجستير فأعلى؛ سعيًّا لتأسيس قاعدة بيانات تتّسم بالرؤية المستقبلية من حيث الأعداد، التخصصات، الأطروحات، والإضافات العلمية من نتائجها؟

فإنْ كان ذلك توجهًا منشودًا، فالحاجة أعظم إلى تأطير ورسم ملامح مستقبل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية على حدٍّ سواء، بما يتوافق وعالم اليوم في ظلّ الثورة الصناعية الرابعة، وإلّا فإنّ تداعيات التنافس للحصول على الشهادات العلمية لمجرد الحصول عليها، سيُلقي بأعباءٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ بلْ واقتصادية على كافة الأصعدة:
الفرد، المؤسسات، والمجتمع بأكمله.

ختامًا: يتوقُ الإنسانُ إلى مستقبلٍ أسْمى وأفضل، فكثيرًا ما تتردد عبارة ” القادمُ أجمل” إلى مسامعنا، ونتداولها في حواراتنا؛ إشارة إلى وجوبِ التفاؤل لفظًا وتعاملًا، فلا حالاً يدوم ولا واقعاً يطول، فمِن سُنن الحياة التطوّر والتحوّل.

والتفاؤل بعطاء الله إيمانً وعقيدةً، ومعه يتكيّف المؤمن لمواجهة ما يعتريه من مُعضلات، فَيُشَمّر عن ساعده للتعاطي مع مجريات الحياة، وتخطّي مزالقها بعزيمةٍ وثيقةٍ وإرادة لا تستكين.
قال تعالى في سورة الطلاق: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾. (الآية: 1)، وقال أيضا: ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾. (الآية: 7)

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights