كليمة في العمل
د. علي زين العابدين الحسيني
باحث وكاتب أزهري
يثمر العمل القليل المستمر أكثر من العمل الكثير المتقطع، فالديمومة مع قلة العمل من عوامل بقاء الأعمال وظهور أثرها، وقد يتأخر الظهور لكنّه يظهر في يوم من الأيام.
خيرُ أوقاتك حاضرك؛ فهو محلّ العمل، وفرصة التغيير، وما بعده من وقتٍ مستقبليّ لا تبحث عنه؛ لأنه في حكم العدم، وإذا كنتَ لحاضرك مُضيعاً فإن مستقبلك أضيع من حاضرك، وأوقاتك ما أنتَ فيها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
يُريد أن يصل صاحبُ الطموح لطموحه بسرعة فائقة؛ ليستريح، لكن يغيب عنه أن أكثر النجاحات يصل إليها الإنسان بعد قدرٍ كبيرٍ من الجهد والتعب، وبالتالي لا يصل إليها إلا منهكاً متعباً، ولا يشعر ساعتها بطعم الراحة التي رجاها، لكنّها طبيعة الأعمال الجادة.
في طريقك للعمل لا تسعَ جاهداً للتعريف بنفسك، ولا تلتفت لذلك؛ لأنّ غالب البشر مزاجيون، فأنت اليوم مرضيّ عنك، وغداً غير ذلك، ولكن ابذل ما في وسعك، واحرص دائماً على معالي الأمور سواء رضي عنك الآخرون أم سخطوا عليك، وسيعرف الجميع آثارك من خلال أعمالك، حتى ولو لم تظهر إلا بعد ذهابك، فحتماً ستدلّ عليك.
إنّ أغلب العاملين في صمتٍ تتحيف معاييرهم في كثير من الأحيان، بينما العاملون في صخب ترجح كفتهم في هذه المعايير؛ لأن الناس ليس لديهم معيار حقيقي للتقييم، وإنّما المعيار عادة ما يكون على قدر الصوت العالي أو مقدار الرضا عنك.
لا تكن كصاحبي إذا كان ذا حاجة فإنه يحاول العمل بجد لتحقيق حاجته، وإذا كان في كفاية فإنه يكتفي بحالته، وهذا ما يجعله يقتصر على ما هو فيه دون التفكير بعمقٍ في تحسين أحواله، أو إثبات ذاتيته.
يُعرف النافعُ لنفسه بأنه المقبل على أعمالٍ يحقق فيها نفعاً متعدياً؛ لأنّ خير الأعمال ما كان نفعها متعدياً بحيث لا تكون مقتصرة على الشخص نفسه، وجرت العادة أنّ العملَ المجرد عن المنفعة الشخصية يجلب للمرء الثناء والمدح أكثر من العمل الذاتيّ، فقليل العمل مع وجود الأثر خيرٌ من كثير العمل بدونه.
الدنيا شقاءٌ زائل، والآخرةُ نعيمٌ دائم، فهذه هي الحقيقة، وذكرُ الشقاء الزائل يبعث فيك عدم الاطمئنان لها أو الاغترار بها، وذكرُ النعيم الدائم يبعث فيك قوة في الاجتهاد وابتهاجاً في النفس وإصراراً على بلوغ الغاية في طلبها.
ثمة إنجازات لا يمكن رؤيتها في الوقت الحاضر لك؛ لأنّ أثرها قد لا يظهر إلا بعد مضي وقت، فلا يكون ذلك عائقاً بينك وبين الجد، واستمسك بالمواظبة على عملٍ نافعٍ وإن قلّ، وأحسنُ ما يروض نفسك عليه أن تغذيها بالأمل.
إن السبب في عدم وجود أثر ظاهر في بعض الأعمال أنّها في أصلها ليس لها أهداف واضحة، حالها كالهائم الذي لا يدري أين يتوجه، وهذا بخلاف بعض الأعمال الصغيرة قد يظهر نفعها سريعاً لوضوح أهدافها، فالأهم النظر إلى وضوح الهدف دون الالتفات إلى عظم العمل أو صغره.