تنمية السياحة ودورها الاقتصادي
هلال بن حميد المقبالي
شهدت السنوات الماضية تطوراً ملحوظا وطفرة هائلة في صناعة السياحة على مستوى العالم، فقد أصبح القطاع السياحي عاملا من عوامل النمو الاقتصادي، وكذلك عاملا أساسيا في جلب الاستثمار و حافزا لتنمية الخدمات الأخرى.
إن صناعة السياحة صناعة متعددة المراحل و يعتمد ازدهارها ترابطاً مع جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى فهي عاملاً مساعداً للتنمية الاقتصادية، ويعتمد قطاع السياحة على الأمن والأمان، وهذا ما تمتاز به السلطنة ولله الحمد، مع كرم وطيبة شعبها، وعلو أخلاقهم وطبيعتهم الراقية في التعامل، جعل لعُمان قاعدة احترام عالمية، ولكن يجب أن يواكب هذا التميز عدة أمور لإنعاش القطاع السياحي منها :
نمو خدمات شبكات الاتصال اللاسلكية والسلكية والإنترنت السريع والطرق المعبدة المريحة، وتهيئة الأماكن السياحية البيئية والتراثية، و توفير الخدمات الفندقية المتميزة وبأسعار معقولة ، والأخذ بعين الاعتبار بأن السائح يأتي للاستمتاع والاستجمام، فإذا لم يجد هذه الخدمات متوفرة، فلن يكرر زيارته، و قد لا يشجع غيره إذا لم يجد الاستمتاع والراحة.
يعتمد القطاع السياحي على عدة ركائز أساسية، ومن هذه الركائز :
1. التعاون بين جميع القطاعات الأخرى؛ لخلق بنية مناسبة للترويج السياحي.
2. الاهتمام بالبنية التحتية، وخاصة للمواقع السياحية سواءً التاريخية أو البيئية.
3. تطوير شبكات الاتصال والاهتمام بهذا الجانب لا بد أن تكون له أولوية خاصة للمواطن قبل السائح لأهميته.
4. الأمن والأمان، وهذا ولله الحمد لا يتجادل عليه إثنين في مجتمعنا العماني.
كل ذلك سوف يخلق سياحة مستمرة، مما يؤدي ذلك إلى إنعاش الاقتصاد وتوفير مورد مالي للدولة.
إن الاهتمام بقطاع السياحة يعتبر من الأمور المهمة، التي تقوم بها كافة الدول للنهوض باقتصادها بعيداً عن تذبذبات أسعار النفط العالمية، والصعوبات التي تواجه هذا القطاع، فكان التوجه موردا طبيعيا ثابتا لرفد الاقتصاد الوطني فكان التوجه للجميع في الاهتمام بالقطاع السياحي، حيث يلعب القطاع السياحي دوراً هاماً في اقتصاد الدول والحث على تحسينه فإن تطوير المزارات السياحية والأماكن الجاذبة للسياح أيا كان نوعها، وطبيعتها سيأخذ طريقه إلى التنمية الاقتصادية للدولة وتحسين هيكلها الاقتصادي من خلال زيادة دخول النقد الأجنبي ورسوم الخدمات للقادمين، وضرائب الخدمات الفندقية، كذلك ستتوفر فرص عمل للعمالة الوطنية كمرشدين ومنظمي رحلات و مترجمين و موظفين في القطاع الفندقي، ويساعد هذا الدخل إلى خلق رؤى سياحية أخرى، و كذلك سوف تتنافس شركات الاتصال لتحسين جودة الاتصال وتطوير شبكات النقل، و تفعيل الحركة التجارية للأسواق التقليدية التاريخية. فالعلاقة بين تنامي القطاع السياحي وزيادة فرص العمل، علاقة طردية ليس في القطاع السياحي فحسب، وإنما في الكثير من القطاعات الإنتاجية ذات العلاقة بالقطاع السياحي والمكملة له.
قد يقول البعض أن صناعة السياحة تحتاج إلى كلفة عالية، وإيرادات مالية ضخمة لتطوير الخدمات و المرافق و غيرها و التي يحتاج لها السائح؟ فنقول له نعم تحتاج إلى كل ذلك، ولكن بعد اكتمال بنيتها الأساسية ستكون موردا اقتصاديا ثابتا تغطي تلك التكاليف وتزيد مما يكون له الأثر الإيجابي للدولة، ومن المعلوم أن صناعة السياحة ليست حكراً على مؤسسات الدولة، بل يحتاج إلى تحرك الجميع، وتنشيط دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال و تشجيع الاستثمار من خلال خلق جو استثماري مريح، وتوفير الخدمات اللازمة لذلك، وتسهيل الإجراءات.
السياحة تثري شعارا اتخذته السلطنة منذ فترة لتشجيع القطاعات الحكومية والخاصة والأفراد للاستثمار في الجانب السياحي، وكلنا تفاؤلا بأن تكون هناك مبادرات للنهوض بهذا القطاع الحيوي، والذي تعول عليه بعض الدول النامية لتستفيد منه لبناء البنية التحتية للدولة إذا ما لقي الاستثمار الحقيقي، و استغل الاستغلال الأمثل. فهل حقاً عملت الجهات المختصة في هذا المجال و جعلت السياحة تثري ؟.
إن ما نشاهده أثناء سفرنا وتجولنا في بعض الدول التي زرناها نلاحظ الاهتمام بأقل التفاصيل من خلال تكاتف جميع القطاعات لتهيئة الأمر لراحة السائح، رغم مقاومتهم السياحية البسيطة، لكن كان استغلالها استغلالاً مناسبا، فالمشاهد أن اهتمامهم بالمباني الأثرية وتحويلها إلى مزارات وأماكن ترفيهية، متاحف تعرض المقتنيات التاريخية الأثرية لهذه المباني كما أنها تتيح للسائح أن يشاهد الشرح المرئي بمختلف لغات العالم، تاريخ هذه المباني والأطر التي كانت تعيش فيها، هذه الأماكن يقصدها السائح، ويدفع لدخولها مبالغ كبيرة فقط للاستمتاع، ناهيك عن الأسواق التراثية المنظمة والتي تتنوع في منتجاتها المحلية لجذب السياح للاستمتاع بتلك الجماليات، ومن المستحيل أن يخرج منها السائح دون أن يشتري تذكاراً، وهذا هو طموحنا الذي نتمناه أن يكون موجودا هنا في بلدنا العزيز، وهنا لا أسعى لذكرها أو للمقارنة، ولكن لنكن طموحين في هذا الجانب، وهنا يتبادر لي سؤالا، ألم يلاحظ أن هناك كثافة ملموسة من المواطنين على المنافذ الحدودية للدول المجاورة في أيام الأجازات، ألم تصل هذه البيانات الى المختصين، للبحث في الأسباب ؟
ألم يسأل المسؤول المختص في هذا الجانب نفسه لما كل هذا التزاحم رغم جماليات السلطنة وتنَوعها السياحي ؟
تتميز السلطنة بمقومات جمالية لإثراء السياحة محلياً وعالمياً، ولكن يحتاج لها القليل من الاهتمام لتنميتها وازدهارها،
فالقطاع السياحي قطاع حيوي، و خريطة السلطنة مليئة بمقومات نجاح وازدهار السياحة ، وقد لا تخلو محافظة أو ولاية بالسلطنة من كنز سياحي، فالطبيعة العمانية تتجلى بنضارتها و نظافتها ممتدة من الشواطئ ورمالها، الجبال وتضاريسها، الوديان وسهولها، أفلاجها وعيونها، الحارات القديمة و مساجدها، ناهيك عن أهم عنصر في إثراء السياحة، وهو التراث العريق الذي تمتاز به السلطنة دون غيرها في المنطقة بتنوع تام من قلاع وحصون وبيوت ومساجد أثرية، وكذلك تنوع طقسها بين الشمال والجنوب، كلها روافد جذب سياحي، وتشجيع السائح في اكتشاف مكنونات التراث والحضارة، ، إذا وجدت لها الترويج الأمثل، ودعمت بخدمات ترفيهية أخرى ، تواكب الخدمات الفندقية ، وجودة الاتصال، وغيرها من الخدمات التي تساهم بشكل أو بآخر في نماء القطاع السياحي.
تلعب الرؤية الحقيقية الشاملة في صناعة قطاع السياحة دوراً مهما لإثراء هذا الجانب، للوصول إلى الحد المُرضي للسائح. وهناك دولا قامت على أكتاف السياحة وازدهرت اقتصادياً ولم تتأثر بالانهيارات الاقتصادية العالمية، و السلطنة تولي اهتمام بالغ بهذا الشأن، من خلال إجراءات قامت بها سابقاً وحالياً، للحفاظ على كل المقومات السياحية التي تزخر بها السلطنة، من شواطئ و وديان و محميات طبيعية، ومزارات أثرية، بيوت أثرية ، قلاع، حصون، متاحف، بالإضافة إلى المنتجعات السياحية المتنوعة، والمتتبع لقطاع السياحة العمانية يجد أن هناك جهوداً تبذل من جانب دون آخر ، فنحن فعلا بحاجة إلى تكثيف الجهود وتوحيدها، وتطوير الخدمات، وتكاتف الهيئات للنهوض بهذا القطاع الحيوي، ولا نكتفي بما هو قائم دون تطوير وتنظيم، فيجب أن تكون هناك فقرات ثقافية، ومهرجانات تصاحب كل فوج سياحي قادم، وكذلك استغلال الحارات القديمة وتنظيمها وتجميلها وإدراجها ضمن المزارات التاريخية، وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها، للأسف أقولها تفتقد خارطتنا السياحية إلى العديد من الخدمات المهمة للمرافق السياحة ، أبرزها ؛: نقص المرافق الخدمية العامة في الأماكن السياحية، و ندرة المنتزهات الطبيعية في المحافظات وخلو الساحة السياحية من الحدائق الترفيهية، ومنافذ بيع المنتجات الحرفية والصناعات التقليدية، وعدم الاهتمام الكافي للأماكن السياحية بالأودية والجبال، والعيون.
إن الاهتمام بهذه النقاط سيشجع السياحة الداخلية قبل السائح الزائر، وحتما سيكون له مردوده المادي للدولة، إذا طُور وفرضت عليه بعض الرسوم البسيطة، وكم من المطالبات طرحت في هذا الموضوع من قبل المواطنين في منصات التواصل الاجتماعي، فكل جهة تعول الأمر إلى الجهات الأخرى، إن الاهتمام بالمقومات السياحية واجب وطني قبل أن يكون رافدا اقتصاديا، وتوسيع مدارك الفهم الحقيقي للسياحة، ستبرز طاقات في هذا المجال، و هنا أشيد بجهود القائمين من أبناء الوطن بطاقات شبابية تطوعية في الاهتمام ببعض المباني القديمة مثالا على ذلك قرية قصرى و متحف البيت الغربي بمدينة الرستاق، وتحويل بعض المباني القديمة في مدينة نزوى و ولاية الحمراء إلى نُزل سياحية، وخدمية، ولربما هناك العديد من هذه المبادرات، _ لم أبحث عنها_ مدعاة للفخر رغم الإمكانيات البسيطة، ولكنها لا تزال تحتاج إلى الكثير و تطمح وتسعى للحصول على الدعم المعنوي قبل المادي، وهذا لا يأتي إلا من خلال تضافر الجهود المجتمعية والمؤسسات الحكومية والخاصة لدعم مثل هذه المشاريع السياحية.
للإرتقاء بالقطاع السياحي لا بد من تطوير خدمات القطاعات الأخرى والمتعلقة بهذا الجانب وتحسين أدائها، فهل سنرى مع التوجهات الجديدة لرؤية 2040 و التعديلات الاخيرة في هيكلة الجهاز الإداري للدولة تنمية سياحية بكل جوانبها، ترفد الاقتصاد الوطني؟.