الطبيعة المتفائلة
د. علي زين العابدين الحسيني
باحث وكاتب أزهري
لعلكَ صادفتَ أشخاصاً في غاية التشاؤم، يعددون لك مساوئ الأعمال، ويبالغون في إظهار الهنّات، ويتفننون في نشر النقائص، ويتلهفون لإذاعة العيوب، وينشطون على تتبع الأحوال، ديدنهم الشكّ والتشكيك في غيرهم.
تنشر هذه الطبيعة المتشائمة التشاؤم فيمن حولها في الوقت الذي يحتاج الجميع فيه الدافعية للنجاح، فيجعل هذا المتشاؤم غيره لا يرى في حياته إلا الألوان القاتمة مع أنّ فيها كثيراً من الألوان الزاهية، لكن برؤيته المتشائمة يرتدي نظارة سوداء؛ كسواد طبيعته، فلا يطلب المعالي، ولا يسعى إلى الفضائل.
تلك هي الطبيعة المتشائمة التي تجعلنا ننظر بسببها للحياة أنّها سيئة، فنشاهد من خلالها كلّ ما في الكون قبيحاً، هي طبيعة لا ترى في الدنيا إلا المصائب مع أنّ الحياة تحتوي على كثيرٍ من الجماليات، وعلى نقيضها هناك طبيعة رضية موصوفة بالإيجابية.
أصحاب هذه الطبيعة يمتازون بالطبع الرضي، والمزاج الفرح، والنفس المتفائلة، فلا ترى في الأعمال إلا أحسنها، ولا تقع بعينها في الحياة إلا على طيبها، ولا تدرك من الأفعال إلا أعاليها؛ لأن الطبع المتفائل هو الذي يخلق من كلّ حزنٍ سروراً، ومن كلّ حرمانٍ اكتفاءً، ومن كلّ بكاءٍ فرحاً، ومن كلّ قليلٍ كثيراً.
صاحبه مستبشر دائماً، متبسم للحياة، متسامح في الصغائر، غاض الطرف عن عيوب غيره، يتوقع الخير أكثر من الشر، يضحك في مواطن الحزن، ويفرح عند باعث البكاء، متوكل على ربه، ويحسن الظن بالجميع، صاحب غرض نبيل، مشغولٌ بغايات هادفة، يعيش ويدرك قيمة الحياة، مقبلاً على عمله، واسع الصدر، يغلب عليه الرضا.
صاحب الطبيعة المتفائلة التي لو أتيتَ له بمكرمة واحدة وأخذت عنه سائر المكارم حمد الله على هذه المكرمة، وشكرك عليها، وأما صاحب الطبيعة المتشائمة فلو أتيت له بعشرين مكرمة وأخذت منه واحدة لسخط بسببها، وعابك على أخذها، فهو لا يعبأ بما عنده من خيراتٍ ونعمٍ كثيرة، فعينه متطلعة دائماً إلى ما في أيدي الآخرين.
أصحاب النظرة المتفائلة ينظرون للحياة من منظورٍ خاصٍ، فهي تعني لديهم التغلب على الصعاب، والإيمان بأنّنا سنرقى على رغم الظروف الصعبة التي يمر بها الأشخاص، أو العقبات التي تحول بينهم وبين وصولهم الآمال المرجوة.
إنّ المتفائل حقاً هو من يساعد الآخرين على تحمل الصعاب، وييسر لهم أمر الحياة، ويسعى لتحمل الأعباء في سبيل الحصول على نهضته، ويتناول الصعب فيسهله، ويعمل بعقله لا بقوته، ويفضي إلى الوئام، ويدفع الشر، ويمهد للخير.
ما أحوجنا في حياتنا إلى نماذج نيرة تسعى في الارتقاء الشخصي للجميع!.