2024
Adsense
مقالات صحفية

المعلّم محمد بن سليمان ،، “الصبارة والخضرية”

أحمد بن محمد بن سالم السلماني
hakeem225@hotmail.com

منذ صدر الإسلام الأول، حمل المسلمون عامة والعمانيون بشكل خاص على عاتقهم وضع منهجية علمية دقيقة وسهلة لتحفيظ وتعليم الناشئة القرآن الكريم وعلومه، ومنهم الوالد محمد بن سليمان السالمي، ثالث ثلاثة ممن تعاقبوا على تعليم ناشئة الشبيكة من فتيانها وفتياتها علوم القرآن الكريم، أساس كل العلوم.
وحملت ضحى يوم الإثنين 27 ذو الحجة 1441هـ نبأ رحيل هذه الشخصية النبيلة بعلمها وسماحتها إلى بارئها معلنة انطفاء شعلة من النور أضاءت سماء هذه القرية والدور بها، جيل كامل من الشباب عاصرتهم وشهدنا لهم يوما بالتفوق والإجادة بالمدرسة وعندما نبحث عن السر نجده في “كهل” يتكئ على “الصبارة” وفي يده “خضرية” ويتحلق حوله ملائكة الأرض ينهلون من فيض “النورانية” بما يبصرهم أمور دنياهم وآخرتهم، قلما تجد أحدهم حاد عن الطريق يوما، يقولون بأنه كان سمح الوجه باشا وضحوكا، ملامح تخفي بداخلها الصرامة والشدة والغلظة أحيانا لتقويم النفوس نحو جادة الطريق السليم، ثقة كبيرة وتخويل كامل الصلاحية من الآباء للمعلم محمد ومن سبقه لتهذيب الأبناء، واليوم منهم المعلم والطبيب والمهندس والعسكري والموظف، كل هؤلاء مروا يوما على “الصبارة” التي “ذهبت مع من ذهبوا” فبعد هجرانها ورحيل المعلم ناصر بن سعيد والمعلم سعيد بن عبدالله وسعي المعلم محمد بن سليمان للبحث لقمة العيش لأسرته واختفاء مدارس القرآن الكريم التقليدية من منظومة التعليم بالسلطنة اختفى معها الكثير من القيم والمثل العليا، فكان أن نال هذه الشجرة العظيمة والوارفة يوما فأس “الجذاع” فتقاسموها وأوقدوها نارا في مشهد أليم أعلن عن رحيل بلا عودة.
ما يقارب عقدا من الزمان ونصفه وهو طريح الفراش وفي كل زيارة له على ندرتها في تقصير جلي ونكران لذات صداقته الخاصة بوالدي، إلا إنه وفي كل مرة لا يفتأ والحديث عن ماض جميل كابدوه جميعا من اجل حياة كريمة في بحر لجي من الشقاء والتعب، المدهش أن بعد كل ما كابده، وما حملته الدنيا اليوم من نكران لـ”ذات معلم القرآن” على عظمتها إلا أن الابتسامة لا تفارق محياه، من يخرج من معه يحمل كنوزا من “الرشد والنصيحة” في زمن عزّ فيه الناصح الأمين.
وقبل أن أكتب هذه السطور في نعي وتوثيق حياة هذه الشخصية الفريدة، كنت قد سألت عنه لمزيد من المعلومات لتتوحد الإجابة في أنه كان معلما فاضلا ومرجعا لحل الكثير من المشكلات بالقرية وخارجها نظير ما كان يحمله من خبرة عملية وذكاء اجتماعي كبير وتقدير عال لمكانته وقدرته على تقريب وجهات النظر، افتقدنا وسنفتقد من مثله وإلا لما احتاجت الدولة لن تشييد مجمعات ضخمة من المحاكم بعد ان ضاقت النفوس بما رحبت، رحل الموجه والمرشد محمد وفي قلبه غصة من “تكريم” لمن علّم “قاعدة العلوم وأشرفها” هذه هي الحقيقة، فبعد إغلاق مدراس القرآن الكريم وتهاويها امتهن معلم القرآن وظائف الحارس وعامل النظافة والفّراش والسائق وغيرها من الوظائف التي على قدسيتها وأهميتها إلا أنها لا تتناسب ومن يحمل “كنوز” علوم القرآن الكريم، فقط لأنه لم يحمل يوما “ورقة مختومة”.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights