حينَ ينطق القلب
بقلم: مهنا بن صالح اللمكي
يلومه البعض بأنه طيب وعلى نيّاته، ما ذنبه إذْ وُلدَ بهذا البياض وسط نفوسٍ مُعتمة، لا يُجيد في قاموس حياته الاجتماعية سوى لغة الأشجار لأنه وُلد وسط أحضان الطبيعة مِن أبٍ بيدار عشق النخيل فلم يبالي إن قَطع المسافات الطويلة ليلاً مشياً على الأقدام ليروي تلك الأرواح النبيلة بحُبه وصَبره قبل أن ترتوي من مياه الفلج.
أراد ذلك الفتى أن يُعيد ذكريات مدينته الفاضلة لِسابق عهدها كما كانت في زمن الطفولة حيث الأحلام كما يتصورها العقل الصغير بأنها كانت وردية.
في تلك المدينة تراث عريق وحضارة غرسَتْ جُذورها منذ الأزَل يفتخر بها حاله كَحال أيّ مخلوق يعشق ترابه ومسقط رأسه، وفي تلك المدينة أُناسٌ أفاضل، ومشايخ عِلم ،وذات مكانة مِهنية عالية، مارَس بعضهم التجارة بالوراثة والآخر ظهر فجأة،
تلك المقومات والصفات في هذه المدينة الفاضلة كافية بأن تخلق مدينة من الصفر، فما بالكُم بمدينةٍ عريقةٍ وجاهزة ما عليهم سوى وضع اللمسات عليها لتبدو أجمل مِن قريناتها بما تَحظى به من تنَوّعٍ في مكنوناتها وموروثها الشعبي والزراعي والتاريخي.
لكنْ عندما أراد أن يجمع شملهم -بعد ظنه أنّ القلوب ما زالت على بعضها -حتى تعود الأمور زاهية كما يتصورها عندها سقط قناع الحُب الزائف من أول لحظاته واكتشف أنّ تلك النفوس التي يُفترض أن تُراعي مصالح تلك المدينة تكيل الحقد والحسد لبعضها البعض، وأنها هي التي ساهمتْ في جريمة قتلٍ لأعظم مُجسَّم تُراثيّ في تلك المدينة .
لمْ يَعد الوضع كما كان يتصوره حيث المصالح هي المُحرك لتلك الأنواع من البشر، بعضهم يأتيك في هَيئة الناصح المثالي ليكيل التُّهم على نظيره الآخَر، وبعضهم اختفى وراء الطَّود الأعظم (منصبه الوظيفي) لكي يحافظ على كيانه وقد انسلخ من جِلده القديم ليبتعد عن ماضِيه وكل ما يُسبّب له ضرراً في تقدّمه ولو كان عليه أنْ يتخلّى عنْ كل ما يربطه بتلك المدينة لَفَعل، والبعض الآخر التحَف بلحاف الصمت المريب.
يتفقون في ظاهر الأمر ويختلفون خلف الكواليس، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى، وقد ختم على قلوبهم شعار:
اتفَقوا على أن لايتفقوا، حارت تلك المدينة في مَن ينقذها فلم تجد أحداً، وعاد ذلك الفتى بعد يأسٍ ليُسامر الأشجار والنخيل والعصافير في حديقة منزله فهي الوحيدة التي لم تَملّ من حديثه عن ذكريات وأحلام مدينته ولا زالت تبادله عطاء ثمرها الطيّب على عكس مايجنيه من نفوس البشر من غِلٍّ وضغينة تحرق الأخضر واليابس.