آلامُنا
أسماء بنت جمعة المخينية “الغبر”
الحمد لله رب العالمين؛ كان لي نصيبًا في هذه الحياة بل كان لي الشرف أن أكون ممرضة لأرى تلك العيون التي تتغشاها تلك الآلام ويسكنها ذلك الوجع، أشعر بتلك السكاكين المنثلمة التي تدمي جسد المبتلى وتقطعه إربًا إربًا .. وأترجم صرخات من الصدمات في آذان المشتكي ألمًا حين يأتي ليطمئن على فحوصاته فإما يُصعق لما يسمع أو أن يبارك يومه ويشكر الله على صحته.
وحبتني الأيام والأوقات والظروف أيضًا أن أكون مرجعًا موثوقًا فيه لمن أحبني وبيتا آمنًا لمن ضاقت به الأحوال الحياتية وأموره الشخصية فكنت ولله الحمد اليد الحانية التي تمسح دمعًا وتنصت دهرًا وتطمئن قلبًا.
الألم ألغام من الآهات ونوبات من الاختناق وشدائد من الصبر قد لا يرحم وقد يمر كغيمة سوداء تأتي بثقالها فتنهمل وترحل وقد يكون لهيبًا من الحالة النفسية التي تبتر راحة المريض وتعكر صفوته.
أوجاعنا وآلامنا باتت في اعوجاج من الضمائر المتأرجحة لا ندري أنحن في رحمة أم عذاب فيمن شاءت الأقدار أن نكون تحت رحمتهم فلم تبقَ هناك مخافة من الله ولا رهبة من يوم ترجعون فيه إلى الله، ففي كل الأحوال الألم موجع بشتى أنواعه وجميع فصوله السنوية. فأولئك الذين تتلذذ سطوتهم وتلوذ قواهم كالثيران الهائجة على من هم أقل منهم قوة وأولئك الذين يرتدون البياض شكلًا إلا أنَّ أعينهم معتمة السواد يضعف بصرهم أحيانًا عن أشياء كان حقًا عليهم إظهارها فأصبحت أيديهم تصف الموت في حلة الأيام القادمة، وكل ما أعنيه في مقالتي سأفسره لاحقًا.
بدايًة سأبدأ بحرقة الآلام ثم أصعبها ثم أحزنها ثم أقساها وبدايتي مع ذلك البيت الصغير الذي احتوى سلمى وإخوانها ووالديها تحلّت بصفاتها الطيبة وروحها المرحة، تزينت بتريبتها النقية وأثرها في نفوس أقاربها ومن عرفها .. منّ الله عليها بوظيفة راقية سخرتها لذاك البيت حين أعادت ترميمه وتحملت بكل ما يضيق بأهلها وإخوانها .. ترعرع الإخوة وعاشوا في كنف سلمى مرهفين حتى أراد أحد منهم أن يتزوج ولا يملك إلا راتبا ميسورا وحالًا مستورا فكانت سلمى اليد التي ربتت على كتف أخيها والجدار الذي يخفي كنزًا وخرق السفينة التي نجت به من خشونة المهور ورهائن البنوك فأنعم الله عليه بزواجٍ رُزق فيه بولدين كان أحدهما سببا في مقاطعة أبيه لعمته حين كانت تزجره لفعل غير سوي فاغتاظ الأب لابنه وبصق في طيب سلمى وتضحيتها وسقاها علقم الكلام بلا حياء، ونهش يدها التي امتدت له عونًا بناب الحقد والكره والقطيعة فأصبحت سلمى في نظره تلك النار التي ما إن يخبو لظاها حتى إذا رآها تتوقد في صدره مرة أخرى.
سلمى ذات الحس المرهف والقلب الحنون واللوحة الجميلة على صفحة السماء ما طاقت كل ذلك وكأن دقات قلبها قد توفقت فأصبحت دقة واحدة لا تسمع لقلبها صوتًا وكانت شراسة شجاره كرنين صعق أذنها فصخبت بصمتٍ ولم تع بحالها شيئا ولا زال الحال على ما هو عليه أخًا لا يزر أخته ولا يعايدها ولا يسأل عنها ولم يذكر لها معروفًا وإن كان قليلًا.
هذه هي الآلام ولكم الحكم وتقدير الأسى في القلوب المسكينة.
دمتم بود.
وإلى لقاء آخر مع ألم آخر.