ولاية بدبد إرث حضاري وتاريخ راسخ
يعقوب بن محمد الرحبي
ولاية بدبد هي إحدى ولايات محافظة الداخلية وأقربها إلى محافظة مسقط حيث لا تتعدى المسافة بينهما 70 كيلو مترا عنها، وتعد هذه الولاية من أهم ولايات السلطنة من حيث الموقع، فهي بوابة لكثير من محافظات وولايات السلطنة كمحافظة الداخلية والظاهرة والشرقية والوسطى ومحافظة ظفار وهي إحدى الولايات التي ترك لها الأوائل تاريخًا عريقًا وإرثًا حضاريًا، متمثلًا في القلاع والحصون والأبراج، وتخرج منها علماء ربانيون ساهموا في إثراء المكتبات العمانية بشتى العلوم النافعة، ولا زال حصن بدبد وتلك الأبراج بمدينة فنجاء وبلد نقصي والعمقات وحميم والملينة ونفعاء والفرفارة لها ألف حكاية وقصة تحكي عن عراقة هذا البلد ومكانته التاريخية وما به من مقومات سياحية وطبيعة خلابة، وواحة خضراء وهي كنز من كنوز الطبيعة العمانية التي تتنوع متناغمة عبر سهولها ووديانها الخصبة وعيونها التي تتدفق عبر جداول لتسقي مزارعها اليانعة الخضراء، كما أن تاريخ هذه الولاية يشكل رمزًا من رموز التراث ويتحدث عن حقبة من الزمن رسم معالمها الأجداد والآباء، وعبر ولاية بدبد أي هذه النافذة الجميلة يطل السائح والزائر ويعبر من خلالها إلى معظم تراث وتاريخ عمان، والتي يجب أن تكون النموذج المتمثل في تاريخ وحضارة عمان ورقيها وعراقتها، ومما لا شك فيه من أن ولاية بدبد شاركت في صنع التاريخ العماني ماضيًا وحاضرًا، وشهدت أحداثًا كثيرة سجلها التاريخ على صفحاته ودونها على مذكراته، حتى وإن كان بعض المؤرخين لم ينصفونها، إلا أن بصمات أهلها التي تدل على أنها ذات عراقة تاريخية وجغرافية واضحة، ولا زالت تشير إلى حقبة من الزمن وتتحدث إلى الأجيال بماضيها العريق .. ولقد أشار بعض المؤرخين إليها أثناء الفيضان الكبير الذي أجتاح مناطق واسعة من عمان، وذلك في إمامة الصلت بن مالك الخروصي في عام 251 للهجرة، وكذلك الجائحة المعروفة (بجائحة السبعين) التي وقعت عام 1370هـ الموافق1951م وهذه التواريخ خير دليل على عراقة هذه الولاية، كما أنها رفدت تاريخ عمان العلمي بعدد من العلماء الأجلاء، لا يسع المجال إلى ذكرهم أو الإشارة إليهم هنا، إلا أنه تمت الاشارة إلى بعضهم في ندوة (بدبد عبر التاريخ) التي نظمها المنتدى الأدبي في ديسمبر 2017م، وتتميز هذه الولاية بأنها تشتمل على ثروة من الثروات التي تعد رافدًا اقتصاديًا كبيرًا للدولة متمثلة في (بيت المال) وعبور خط أنابيب الذهب الأسود والغاز على أراضيها، وشبكة الطرق التي تعد خطًا مهمًا وحيويًا لتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية والسياحية بين محافظة مسقط والمحافظات والولايات التي أشرنا إليها.
هذه الولاية رغم أهمية موقعها ومكانتها إلا أنها لم تنل الحظ الأوفر من التنمية بما يليق بها، وللأسف الشديد حتى الإعلام لم يسلط الضوء عليها كثيرًا ولم يعطها حقها من الاهتمام رغم أهميتها التاريخية والحضارية والاقتصادية والسياحية ورغم الدور الذي لعبته على مر التاريخ، فقد حافظت على هويتها ومكانتها وحافظ أبناؤها على إرثهم الحضاري المتمثل في الدين واللغة والوطن والثقافة، ولهم إسهامات في الكثير من الأعمال التطوعية متمثلة في المناشط الشبابية من خلال النادي والفرق الرياضية وعلى رأسها فريق بدبد الرياضي الذي يساهم في كثير من المناشط التطوعية وجمعية المرأة العمانية التي في الآونة الأخيرة لعبت دورًا كبيرًا في إرساء مفهوم ثقافة دور المرأة في المجتمع، وبعض اللجان التي من شأنها تعمل جنبًا إلى جنب مع المؤسسات الحكومية.
ولاية بدبد اليوم في هذا العصر الميمون -الذي يقود مسيرة عمان فيه جلالة السلطان هيثم حفظه الله وسدد على طريق الخير خطاه- تتطلع إلى شيء من الاهتمام والرعاية من خلال رصف الطرق وتوفير الصرف الصحي وإيجاد حدائق ومنتزهات والحفاظ على ما تمتلكه من تراث ومعالم سياحية وطبيعية وتنشيط الحركة الاقتصادية، كما أنها تناشد وزارة السياحة أن تعطي معالمها السياحية أهمية نظرًا لموقعها وعلى وزارة التراث والثقافة أن تولي اهتمامًا كبيرًا بحصنها وأبراجها وقلاعها العريقة التي تحكي قصة الإنسان العماني المكافح، وكذلك على الهيئة العامة للصناعات الحرفية أن تولي اهتمامًا بإحياء الصناعات الحرفية والتقليدية والتراثية التي كانت تتميز بها هذه الولاية كصناعة الحصر والفخاريات والنسيج وغيرها، وعلى وزارة الزراعة والثروة السمكية الاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية متمثلة في دائرة التنمية الزراعية بولاية بدبد، وكذلك وزارة البلديات الاقليمية متمثلة في بلدية بدبد تعطي جل اهتمامها في العناية والرعاية والمتابعة والإشراف على هذه المرافق، وهذا من وجهة نظري لا يتحتم تحقيقه إلا بتكاتف وتظافر الجهود من قبل جميع المؤسسات الحكومية والأهلية تحت مظلة واحدة وهي مظلة التنمية يشارك فيها الجميع، وبإتاحة الفرصة للقطاع الخاص أن يلعب دورًا كبيرًا في استثمار مواردها الطبيعية ومقوماتها السياحية وتنشيط الحركة الاقتصادية وتسهيل الإجراءات أمام المواطنين ليلعبوا نفس الدور يدًا بيد.
كما لا يفوتني هنا إلا أن أوجه رسالة إلى الشباب أن يتجهوا إلى هذه الحرف والأعمال التي لا شك تمثل رافدًا اقتصاديًا كبيرًا يعود للفرد والأسرة والمجتمع، كما لا يفوتني أيضاً إلا أن أشيد بتلك الجهود المبذولة من قبل إدارة سوق بدبد الأهلي هذا السوق الذي تم إنشاؤه بالجهود الأهلية والذي أتاح فرصة كبيرة لأبناء الولاية لممارسة الأعمال التجارية وساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية ، وشكر خاص وتقدير للعاملين على لجنة صندوق الزكاة وقطاع الرياضة والشباب وكذلك على الجهود التى تُبذل الآن لإقامة مجلس عام مع مرافقه ومحتوياته بمركز الولاية بالجهود الذاتية . وأحيي الروح الوطنية في بعض الشباب لانخراطهم بالأعمال التطوعية ومحافظتهم على نظافة المقومات السياحية الطبيعية و الآثار التاريخية إيمانا منهم بأهمية تكاتف الجهود لمثل هذه الأعمال .