رُب ضارةٍ نافعة
سلطان البوسعيدي
وتمضي الأيام ونحن في السفينة نواجه أمواج البحار والعواصف والأعاصير ولكن بالقوة والعزيمة والإصرار يحاول ربان السفينة السيطرة على الوضع. الكل في خوف وقلق ويتضاعف هذا القلق كلما زاد عدد الأيام .. ونحن في هذة السفينة في مواجهة هذه التحديات فهل يا ترى سوف نستسلم أو نواصل التحدي للوصول إلى بر الأمان؟
نعم؛ أقصد هنا بالسفينة عمان وشعبها ومن يعيش فيها وربانها وقائدها السلطان هيثم حفظة الله ورعاه وأعانه على مواجهة هذة الأزمات المتتالية والظروف التي تمر بها البلاد وبالأخص جائحة كورنا coved 19 التي تسود العالم والتي دمرت اقتصادياته والتي تسببت في إفلاس وإغلاق مئات الشركات والمؤسسات والتي أفقدت الكثير من المواطنين والوافدين وظائهم، أيضا غيرت سياسة واقتصاديات واسترتيجيات هذه المؤسسات والأفراد والحكومة، وتسببن أيضا في قطع صلة الرحم فأصبحت زيارة الأهل محدودة وربما منقطعة.
ومن التدابير التي اتخذتها الحكومة خفض الإنفاق العام وتقليل الرواتب ولا زلنا في مواجهة هذا المرض الذي لم تنجح الدول العظمى حتى في إيجاد مضاد له رغم تصريحات بعض الدول في إيجاد لقاح له والبعض قيد التجربة إلا أنه لم يرَ النور إلى الآن. كل العلاجات لم تجدِ نفعًا تجاه هذا الفيروس الغامض .. علما بأن الوقاية منه سهلة وذلك عن طريق غسل الأيدي جيدا بالصابون ولبس الكمام.
مضى أكثر من ستة أشهر وكان قد تنبأ بعض الأطباء والعلماء أن هذا الفيروس قد يتأثر بداية الصيف بالحرارة ورغم ارتفاعها إلا أنه لا يزال لم يتأثر بذلك أو يضعف .. إننا نواجه ازدياد عدد حالات الإصابة والوفيات رُغم كل الإجراءات التي اُتخذت في مواجهة هذه الجائحة في كل دول العالم للحد منها وتجنب الإصابة؛ فقد تم اتخاذ إجراءات إغلاق وعزل وحظر التجوال في بعض الدول وإغلاق تام لبعض المؤسسات الحكومية والخاصة .. وأماكن تجمع الناس مثل الأسواق ودور العبادة وغيرها من الأنشطة والفعاليات والمؤتمرات والمنتديات .. ورُغم كل تلك الإجراءات التي اُتخذت إلا أن حالات الإصابة لا زالت في ازدياد. وبعدما أدى هذا الإغلاق المؤقت إلى زعزعة وتدهور الوضع الاقتصادي قامت الحكومة في الفتح التدريجي لبعض الأنشطة والمؤسسات والحدود بين بعض الدول وذلك تجنبا للإنكماش الإقتصادي الذي حدث جراء هذه الجائحة ولكن نرى أنه وبعد هذا القرار قد زادت عدد حالات الإصابة ب coved 19 وازدياد عدد الوفيات.
قامت الحكومة منذ بداية مكافحة هذه الجائحة بتشكيل لجنة عليا معنية بمتابعة ومكافحة هذه الجائحة وتشكيل مؤتمر صحفي بشكل دوري تعلن فيه القرارت والإفصاح عن أعداد الإصابات والوفيات وأيضًا عن البيانات والأرقام، الحقائق والخسائر المالية الناتجة عن مكافحة هذه الجائحة.
وقد عمل صندوق معني لجمع التبرعات والمساعدات المالية والمعنوية؛ فقد تفضل صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بالتبرع بعشرة ملايين ريال من حسابه الخاص لهذا الصندوق كقدوة لشعبه وكان قد أبلى بلاءً حسنًا بهذا التبرع فقد باشرت معظم المؤسسات والأفراد بالتبرع وتخفيف الأعباء المالية على هذه البلد. وهذه اللجنة متواصلة مباشرة مع الشعب ومع وسائل الإعلام بشتى أنواعه من إعلاميين وصحفيين والكتاب والمحلليين الاقتصادين وغيرهم لتوعية المجتمع بالتباعد الجسدي ولبس الكمامات والقفازات وغسل اليدين بالماء والصابون لتجنب الإصابة أو فقدان عزيز علينا لا قدر الله .. حمانا الله وإياكم من هذا البلاء.
وأيضا لا ننسى أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تقوم بطرح عدة قضايا مباشرة تناقشها وملفات كثيرة لطرحها للشعب من أجل تثقيفه لكي نمضي قِدما لمستقبل مشرق غدًا بإذن الله رغم الظروف القاسية التي مررنا بها إلا أن هذه عجلة الحياة.
فقد جاء في الذكر الحكيم في سورة يوسف آية ٤٧ وتفسير السعدي لهذه الآية قَالَ تعالى ( تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ)؛ ففسر يوسف السبع البقرات السمان والسبع السنبلات الخضر، بأنهن سبع سنين مخصبات، والسبع البقرات العجاف، والسبع السنبلات اليابسات، بأنهن سنين مجدبات، ولعل وجه ذلك – والله أعلم – أن الخصب والجدب لما كان الحرث مبنيا عليه، وأنه إذا حصل الخصب قويت الزروع والحروث، وحسن منظرها، وكثرت غلالها، والجدب بالعكس من ذلك. وكانت البقر هي التي تحرث عليها الأرض، وتسقى عليها الحروث في الغالب، والسنبلات هي أعظم الأقوات وأفضلها، عبرها بذلك، لوجود المناسبة، فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والإشارة لما يفعلونه، ويستعدون به من التدبير في سنين الخصب، إلى سنين الجدب فقال: { تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا } أي: متتابعات.
{ فَمَا حَصَدْتُمْ } من تلك الزروع { فَذَرُوهُ } أي: اتركوه { فِي سُنْبُلِهِ } لأنه أبقى له وأبعد من الالتفات إليه { إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ } أي: دبروا أيضا أكلكم في هذه السنين الخصبة، وليكن قليلا، ليكثر ما تدخرون ويعظم نفعه ووقعه.
وهذا الآيات الكريمة تعيد علينا نفس الأحداث والتي تفسر الذي كان يجب أن نفعله كأفراد أو حكومة فمنذ بداية العام ٢٠٢٠ قد بدأنا بعام فيه كثير من التحديات والأحداث المؤلمة حيث كانت كبيرة في وفاة فقيد الأمة السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه وذكراه التي لا زالت لم تغب لحظة عنا، بعد تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق الحكم فقد بدأ يكمل مسيرة النهضة ولكن هناك تحديات قد تم طرحها سابقا وغيرها من التحديات مثل قضية الباحثين عن العمل التي لا زالت مستمرة على مستوى عالمي وسلطنة عمان هي جزء من العالم وهي تواجه هذه القضية فقضية الباحثين عن عمل كانت قد أتت قبل ١٠ سنوات وقد أطلق عليها مسمى الربيع العربي ودمرت بعض الدول وأثارت حروب وفتحت مجال للأطماع الخارجية في التدخل في سياساتها، وقد حدث في سلطنة عمان مظاهرات على حد قولهم سلمية ولكن لولا سياسة قائدها في تلك الفترة لما تعدينا هذه المرحلة، فقد تم الإعلان عن 50 ألف فرصة عمل للمواطنين، ورفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 200 ريال عُماني (زيدت مؤخرًا لتصل إلى 325 ريال عُماني)، وإنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك، وتخفيض مساهمة الموظفين لصندوق التقاعد من 8% إلى 7%، ورفع المخصصات المالية الشهرية لطلبة مؤسسات التعليم العالي، ومنح الباحثين عن عمل المسجلين لدى وزارة القوى العاملة مبلغا شهريا قدره 150 ريال عُماني إلى أن يحصلوا على عمل، وتم استحداث علاوة غلاء معيشة لجميع الموظفين بالقطاع الحكومي، وأوقفت رسوم عبور المركبات المتجهة إلى خارج البلاد عبر المنافذ البرية، وتم السماح بإنشاء بنوك إسلامية. وفي الجانب التعليمي تم زيادة أعداد المقبولين في مؤسسات التعليم العالي من خريجي الدبلوم العام “الثانوية العامة”، كما أعلن عن إنشاء جامعة حكومية ثانية، وتم طرح قرابة 1000 بعثة للدراسات العليا.
ولكن في ذلك الوقت قد قرأت لبعض المحلليين الاقتصادين أن التوظيف كان عشوائيا وأن التوظيف الذي حدث في المؤسسات وأعداد الموظفين الذين تم توظيفهم كان لخطة خمس سنوات قادمة. ورغم ذلك كان في قرار التوظيف ايجابيات وفتح آفاق ومجلات كثيرة عززت النشاط الإقتصادي. لكن الحل ربما كان مؤقتا في التوظيف فقد زادت أعداد الباحثين منذ تلك الفترة بأرقام مضاعفة، وهذا الملف من الملفات الأكثر تداولًا في الحكومة. ومن الملفات أيضا المهمة قضية انخفاض أسعار النفط والتي تعتبر العمود الفقري للبلاد فانخفاضه قد تسبب في انخفاض معظم الأمور ومن ضمنها قضية الباحثين عن عمل، ومن القضايا التي تتطرق لها صاحب الجلالة في خطابة عن الفساد بشتى أنواعه، كالفساد الإداري والمالي وقد بدأ بالفعل في هذه القضية ومن ضمنها التغييرات للمناصب القيادية وإحالة فئة كثيرة إلى التقاعد للذين أكملوا ثلاثين عامًا وضخ عمالة جديدة في محاولة لإعادة بناء الهيكل التنظيمي والمالي للدولة وربما هذا القرار كان مفاجئًا لبعض الفئات بسبب الظروف المعيشية ولم يكن قد تهيأ بالفعل للتقاعد الإلزامي وهي قضية أخرى قد تفاعلت معها فئة كثيرة من الكتاب والمجتمع بين مؤيد ورافض لها. فنحن نعيش في بيئة بحمد الله خصبة ومتوفر بها جميع سبل المعيشة الكريمة.
ولتجنب هذه الأزمات لم يتطلب منا إلا أن نتعايش مع هذه الأوضاع وأقصد هنا مع هذه الجائحة بالتباعد الجسدي وبين الظروف المعيشية بتأقلم وتخفيض الإنفاق وعدم التبذير وقول الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾