حكايا .. مشهد مرتبك
بقلم : عصام بن محمد الصولي
المشهد السياسي السوداني المربك والمرتبك في آنٍ واحد؛ يضع المتاريس والعقبات أمام المحلل السياسي الحصيف ويجعله يضرب كفا بكف أو يضع يديه على خده من فرط الاندهاش والحيرة.
فمع اقتراب الفترة الانتقالية من منتصفها لا زالت الضبابية تلف المشهد وترسم حوله ظلال مبهمة وإحداثيات غامضة لجهة اقتناع كل الطيف السياسي من أحزاب وحركات مسلحة ظلت ترفع السلاح في وجه حكم الرئيس المخلوع عمر البشير طوال 30 عاماً ، علاوة على تجمعات مهنية وفئوية بخلاف الجماهير العريضة التي احتلت ميدان القيادة وواصلت اعتصامها حتى تكللت مساعيها بسقوط مدوي للبشير ونظامه بصورة رآها كل العالم واستوقفته لأيام وأسابيع.
نقول بعد كل الذي تحقق -إلا أن المأمول من ورائه لم يتحقق- بل ظل الصفر الكبير هو حصاد الهشيم الذي حصدته الجماهير .. تدني مريع في الأوضاع المعيشية وغلاء يضرب الأسواق وشبه توقف لعجلة الإنتاج وهشاشة أمنية في الأطراف وبروز صراعات قبلية وإثنية في غير ما ولاية سودانية واحتراب وإسالة دماء .. فاقم من ذلك تعثر مفاوضات السلام الجارية حالياً بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان مع قرب إعلان التوقيع على السلام ليتدخل شيطان التفاصيل في كل مرة ويؤجل طي ملف السلام ليتفرغ الجميع للبناء والتعمير.
ثم إن ثالثة الأثافي هو عدم التوافق والانسجام بين مكونات الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية .. والمسماة بالحرية،والتغيير، ذلك المكون الذي أعلن عن نفسه قبل أشهر من الإطاحة بحكم الرئيس المخلوع عمر البشير وضم فسيفساء السياسة السودانية من أحزاب ومكونات نقابية ومهنية كأكبر تحالف سياسي عريض منذ استقلال السودان،
وكانت ذروة سنام عدم التوافق هذا عشية إعلان رئيس الحكومة د. عبدالله حمدوك لقائمة الولاة المدنيين للولايات. إذ سرعان ما سارع حزب الأمة القومي “أكبر وأعرق الأحزاب السودانية” بزعامة السيد الصادق المهدي لعقد مؤتمر صحفي أعلن فيه عدم موافقته بقائمة الولاة المعينين ووجه ستة منهم من المنتمين لحزبة بالانسحاب وعدم المشاركة في الحكومة بينما هدد “البجا” وهم أكبر فصيل إثني بشرق السودان بالتصعيد الثوري وإعلان حكما ذاتيا لشرق السودان إذا لم تسحب الحكومة الوالي الذي قامت بتعيينه على ولاية كسلا “العاصمة التاريخية لقبيلة البجا”.
وكذا الحال تكرر في 5 ولايات أخرى رفضت واليها المعين وطالبت بتغييره .. الأمر الذي يدلل على ما سقناه ابتداءً؛ بأن المشهد السوداني المربك والمرتبك لا يبشر بكثير خير إن لم تسعف الحكمة والأناة السياسيين السودانيين لتدارك الأمور بعيداً عن المحاصصات واقتسام الكيكة وإعلاء قيمة الوطن والمصلحة الوطنية.
وعلى كلٍ فقادم الأيام هي ما ستجيب.