قاسم الخنبشي ،، ٣٩ عاما في بلاط النور
أحمد السلماني
يوم له ما بعده..ذلك الذي جمع آنذاك الوالد زاهر بن حمدان، بمدير تعليمية الرستاق العام ١٩٨١م يعرض عليه استقطاب ولده ليكون ضمن حملة شعاع العلم وبناء عمان الحديثة، حاله حال بقية شباب جيله، تم توجيهه للإلتحاق بمبنى الدائرة التعليمية القريبه من منزله، خطى الفتى اليانع خطواته الأولى بحماسة الشباب، حاملا راية العلم، لم ينل شرف مهنة التعليم ولكنه ومن في حكمه كانوا الجند المجهولين ومن يقع على كاهلم تكوين وتأسيس بنية التعليم في الولاية والسلطنة.
ربما قلة قليلة تدرك قيمة ما كان يصنعه أبو الحسين وزملاءه من منتسبي دائرة تعليمة الرستاق حينها في تأسيس البنية التحتية المتينة والقاعدة الصلبة لإنطلاقة مسيرة التعليم بالولاية العريقة، عاصمة الأمامة ومهد دولة السلاطين حفظها الله، فضلا عن كونها منبع علمي وفكري وقلعتها العظيمة تحمل منارة من منارات العلم والمعرفة ألا وهو جامع البياضة والذي تخرج منه الكثير والكثير من العلماء الأجلاء.
هذه الجامعه كانت مصدر إلهام لهذه الشخصية التربوية إذا ما علمنا أن والده كان عقيدا للعسكر بالقلعة والولد لم يكن يبارح أبيه إلا نادرا.
كما وأن للمقولة الشهيره التي قالها معلم عمان الأول جلالة السلطان قابوس بن سعيد«طيب الله ثراه»”سنعلم أبناءنا ولو تحت ظلال الشجر” أثرا بالغا فيه وفي الرعيل الأول من منتسبي قافلة التعليم الحديثة، إذ كانت تدفعهم لمزيدا من الإصرار على المضي قدما نحو بناء المنظومة التعليمية التي قفزت بالسلطنة نحو مصاف الدول المتحضرة، هذه المنظومة التي شملت صروح العلم المختلفة من مدارس ومراكز علمية ومبان إدارية وثقافية.
٣٩ عاما وهذا الرجل يعمل بصمت، هو لا يحب الظهور أو الكلام كثيرا، له منهجية خاصة وفريدة في الحياة من مبدأ«دع أفعالك تتكلم»، عمره الوظيفي برقمه الكبير كفل له مخزونا هائلا من الحكمة والحلم والروية في التعاطي مع كافة مفاصل الوظائف التي عمل بها بمديرية التربية والتعليم بجنوب الباطنة، أو حتى بالوزارة، وأكاد أجزم أن أبو الحسن والحسين خط النقطة الأخيرة في مسيرته الوظيفية التي امتدت زهاء ٤ عقود دون أن يسجل ولو حتى سوء فهم مع زميل له أو أي شخصية تربوية تعاملت معه بعد أن كفلت له خبرته قدرة هائلة في التعامل مع الخطوط العريضة والدقيقة في الكيان التعليمي بالمنطقة والوزارة.
نعم، الأستاذ قاسم لم يكن مدرسا، ولكنني أكاد أجزم أنه معلم ملهم للكثير من المدرسين وزملاءه الموظفين، ولا توجد مدرسة أو صرح تعليمي إلا وله لمسة فيها أو فيه، في السهل و الوادي والجبل والساحل، تعرفه ويعرفه كل من له علاقة بالمنظومة التعليمية بالرستاق والعوابي ونخل ووادي المعاول وبركاء والمصنعه، وربما تجاوز جغرافية المنطقة ووصل للعاصمة مسقط.
تلقى قرار تقاعده برباطة جأش، الخبر كان مؤلما بالنسبة له كونه اعتاد على نمط حياة معين، لملم أوراق السنين وغادر بصمت كما جاء وعاش في بلاط النور بصمت بل وبابتسامة ملؤها التفاؤل بغد مشرق لعمان وأهلها، قال لنا صراحة«المرحلة تتطلب ذلك، نثق في رؤية النهضة المتجددة ويكفي ما قدمناه من عطاء إذ حان دور الأبناء».
هذا الجيل من الرعيل التعليمي والتربوي الأول ومن على شاكلتهم في كافة مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية ممن أحيلوا إلى التقاعد لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يوفيهم أبناءهم وطلابهم حقهم من العرفان بالجميل وأن تصطف أجمل وأنبل عبارات الشكر والثناء على ما قدموه من عطاء.
لهم جميعا وللمعلم أبو الحسين نقول كما قال الشاعر محمود غنيم:
حنانيكَ إني قد بُليتُ بصبيةٍ *** أروحُ وأغدو كلَ يومٍ عليهمُ
– صغارٌ نربيهم بملءِ عقولهم *** ونبنيهمُ .. لكننا نَتَهدمُ
– لأوشكُ أن أرتدَّ طفلا؛ لطولِ ما *** أمثِّل دَورَ الطفلِ بين يديهمُ
– فصولٌ بدأناها، وسوف نعيدُها *** دواليْكَ، واللحنُ المكرَّرُ يُسأمُ
– فمن كان يرثي قلبُه لمعذب *** فأجدَرُ شخصٍ بالرثاءِ المعلمُ
– على كتفيه يبلغُ المجدَ غيرُه *** فما هو إلا للتّسلّقِ سُلم.